حزب الله بين المقاومة والتكيف مع المتغيرات الدولية

يبدو أن محور المقاومة في لبنان، الذي يقوده حزب الله، يشهد تحولات استراتيجية كبرى في الآونة الأخيرة، فرضتها المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة. فبين استمرار الضغوط العسكرية والاقتصادية، والعودة إلى خيارات سياسية أكثر براغماتية، يواجه الحزب تحديات جديدة قد تؤثر على دوره داخل لبنان وعلى الساحة الإقليمية.
وقد برز هذا التحول جليًا في التصريحات الأخيرة للأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، التي ألمح فيها إلى أن الحزب “أنجز ما يمكن إنجازه” في مواجهة إسرائيل، وأن الوقت قد حان لتتولى الدولة اللبنانية زمام الأمور. هذه التصريحات غير المألوفة تثير تساؤلات حول مستقبل استراتيجية حزب الله، وهل هي مراجعة تكتيكية أم تحول جذري في مسار الحزب؟
مرحلة جديدة في نهج حزب الله
في تصريح أثار اهتمام المحللين، أعلن نعيم قاسم أن “الحزب أدى دوره في المقاومة”، وأن “المسؤولية الآن تقع على عاتق الدولة اللبنانية”. هذه اللهجة غير التقليدية تعكس تغييرًا استراتيجيًا في نهج الحزب، الذي كان يعتمد بشكل أساسي على المقاومة المسلحة كأداة رئيسية في مواجهة إسرائيل.
ورغم أن حزب الله ظل لأكثر من عقدين أحد أكبر الفاعلين العسكريين في المنطقة، إلا أن تصريحه الأخير يشير إلى أنه لم يعد يرى الحل العسكري كخيار وحيد، خاصة مع التعقيدات الإقليمية والدولية التي قلّصت خياراته العسكرية.
يبدو أن الحزب، الذي كان يراهن على التفوق العسكري لإعادة تشكيل المشهد السياسي في المنطقة، يواجه اليوم واقعًا مختلفًا، حيث لم تعد الخيارات العسكرية بنفس الفاعلية التي كانت عليها سابقًا.
الضغوط الدولية وتأثير السياسة الأميركية
يرى مهند العزاوي، الخبير في العلاقات الدولية، أن حزب الله يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة، مع وجود توجه دولي لإنهاء عسكرة منطقة الشرق الأوسط.
وأشار العزاوي، في حديثه لقناة “سكاي نيوز عربية”، إلى أن السياسة الأميركية الحالية، التي تعتمد على فرض الاستقرار بالقوة، وضعت الحزب في وضع استراتيجي معقد. فبعد أن كان يعتمد على القوة العسكرية كأداة رئيسية، أصبح هذا الخيار أكثر تكلفة من الناحية العسكرية والسياسية.
وبحسب العزاوي، فإن الضغوط الأميركية المتزايدة ضد الميليشيات المسلحة في المنطقة أثرت على مصادر تمويل وتسليح حزب الله، ما دفعه لإعادة النظر في خياراته العسكرية، وتبني تكتيكات أكثر براغماتية.
إيران وحزب الله.. شراكة استراتيجية تحت اختبار المتغيرات
لا يمكن فهم التحولات داخل حزب الله دون النظر إلى الدور الإيراني، الذي لطالما كان المحرك الأساسي لعملياته وتمويله.
يشير مصدق بور، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الإيرانية، إلى أن إيران كانت دائمًا تعتبر حزب الله جزءًا أساسيًا من محور المقاومة، خاصة في إطار دعمها للقضية الفلسطينية. ومع ذلك، فإن العلاقات الإيرانية-حزب الله تمر بمرحلة دقيقة، في ظل تصاعد الضغوط الدولية على طهران، والتحديات الاقتصادية التي تواجهها.
ورغم أن الدعم الإيراني لا يزال عنصرًا أساسيًا في قوة الحزب، إلا أن إيران أصبحت أكثر حذرًا في دعم العمليات العسكرية المباشرة، خشية تعريض نفسها لمزيد من العقوبات الدولية. هذا الوضع دفع حزب الله إلى تبني استراتيجية أكثر تحفظًا في المواجهات مع إسرائيل، مع التركيز على تعزيز دوره السياسي داخل لبنان.
انتقادات داخلية لدور حزب الله
من جانبه، وجّه الكاتب والمفكر السياسي رضوان السيد انتقادات حادة لحزب الله، مشيرًا إلى أن دوره لم يقتصر فقط على محاربة إسرائيل، بل امتد إلى التدخل في النزاعات الداخلية في لبنان وسوريا.
ويرى السيد أن الحزب، بدعم من إيران، ساهم في تفاقم الأزمة السورية، مما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا، كما أنه تورط في صراعات داخلية لبنانية أضرت بوحدة البلاد.
وتكشف هذه الانتقادات عن أزمة سياسية متصاعدة داخل لبنان، حيث يواجه الحزب ضغوطًا متزايدة بسبب تورطه في النزاعات الإقليمية، والتي يعتبرها البعض سببًا رئيسيًا في عزلة لبنان الدولية.
في هذا السياق، يطرح العديد من المحللين تساؤلات حول التزام حزب الله بمبادئ “المقاومة”، وهل سيظل الحزب يركز على مواجهة إسرائيل، أم أن مصالحه الإقليمية والسياسية ستجبره على التراجع عن هذا النهج؟
البراغماتية تفرض نفسها
يعتقد أستاذ العلوم السياسية، هاني البسوس، أن حزب الله بدأ يتبنى نهجًا أكثر براغماتية، مستفيدًا من الدروس التي استخلصها من حرب 2006 والمواجهات الأخيرة مع إسرائيل.
ويعتبر البسوس أن تصريحات نعيم قاسم تمثل انعكاسًا لهذه البراغماتية، حيث يبدو أن الحزب يريد أن ينقل ملف المواجهة مع إسرائيل إلى الدولة اللبنانية، ما قد يمنحه هامشًا سياسيًا أوسع، بعيدًا عن الضغوط الدولية المباشرة.
وأشار البسوس إلى أن الحزب يحاول الموازنة بين الحفاظ على دوره السياسي داخل لبنان، وبين عدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية مكلفة قد تعيد البلاد إلى دوامة الحرب الأهلية، أو تجعل الوضع اللبناني أكثر هشاشة أمام التدخلات الخارجية.
بين خيارات المقاومة والتحديات المستقبلية
في ظل التغيرات الجيوسياسية والضغوط الدولية المتزايدة، يبدو أن حزب الله أمام مفترق طرق حاسم. فهو بين خيار:
الاستمرار في نهج المقاومة المسلحة، مع ما يحمله ذلك من مخاطر عسكرية وسياسية واقتصادية.
التكيف مع الواقع الجديد، والتركيز على العمل السياسي ضمن الدولة اللبنانية، لضمان الحفاظ على نفوذه الداخلي دون مواجهة مباشرة مع القوى الإقليمية والدولية.