
مع تصاعد وتيرة الحرب في غزة على مدار 16 شهرًا، برزت التكهنات الإسرائيلية حول تحركات عسكرية مصرية في سيناء، ما أثار تساؤلات حول مدى التزام القاهرة باتفاقية كامب ديفيد الموقعة منذ أكثر من 45 عامًا.
صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، تناولت بالتحليل هذا الأمر، وأشارت في تحليل لها إلى أنه خلال الأيام الماضية، انتشرت تقارير إعلامية، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، حول حشود وتحركات عسكرية مصرية مكثفة في سيناء، ما أثار قلق الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل، لا سيما في ظل التصريحات الحادة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي اعتبر أن أي محاولة لنقل لاجئين من غزة إلى سيناء “خطًا أحمر” يهدد الأمن القومي المصري وقد يشعل حربًا مع إسرائيل.
تصريحات إسرائيلية رسمية تثير الجدل
تصاعدت المخاوف الإسرائيلية بعد تصريحات يحيئيل لايتر، السفير الإسرائيلي الجديد لدى الولايات المتحدة، خلال اجتماع افتراضي مع مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى في 28 يناير. حيث قال لايتر:
“مصر تنتهك بشكل خطير اتفاقية السلام في سيناء، ولديها قواعد عسكرية يتم بناؤها هناك لا يمكن استخدامها إلا لأغراض هجومية، وهذا انتهاك واضح”.
وأضاف أن هذه القضية “ستكون على الطاولة قريبًا وبشكل حاسم”، مما دفع المؤتمر إلى إزالة تسجيل الاجتماع من منصاته الإلكترونية، في محاولة لمنع تحول الأمر إلى أزمة دبلوماسية بين القاهرة وتل أبيب.
وفي 30 يناير، أبدى داني دانون، السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، مخاوفه خلال مقابلة إذاعية مع محطة “كول باراما”، متسائلًا:
“لماذا تنفق مصر مئات الملايين من الدولارات سنويًا على أسلحة عسكرية متطورة، رغم عدم وجود تهديدات على حدودها؟ لماذا تحتاج إلى كل هذه الغواصات والدبابات؟”
وأشار إلى أن هذه التساؤلات ازدادت إلحاحًا بعد هجوم 7 أكتوبر، مما يستوجب مراقبة الوضع المصري عن كثب والاستعداد لكل السيناريوهات.
وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، توجه رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، رون لاودر، إلى القاهرة على عجل للقاء الرئيس السيسي في محاولة لتهدئة التوتر الناجم عن تصريحات لايتر.
اتفاقية كامب ديفيد.. الضوابط والآليات
وفقًا لاتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام 1979 بين مصر وإسرائيل بوساطة أمريكية، يُحظر على مصر نشر قوات عسكرية في سيناء إلا وفقًا لجدول زمني ومناطق محددة، حيث قُسمت سيناء إلى أربع مناطق، مع فرض قيود صارمة على حجم القوات المصرية وتسليحها في كل منطقة، لا سيما في المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل.
كما أنشئت آلية رقابية تحت مظلة قوة المراقبين متعددة الجنسيات (MFO)، والتي تضم 1,165 جنديًا دوليًا بقيادة الولايات المتحدة، للإشراف على تنفيذ الترتيبات الأمنية ومنع أي انتهاكات.
مرونة سابقة في تعديل الاتفاقية
ومنذ توقيع الاتفاقية، سمحت إسرائيل لمصر عدة مرات بإدخال قوات إضافية إلى سيناء بناءً على تفاهمات مشتركة، كان أبرزها:
- عام 2005: عقب انسحاب إسرائيل من غزة، تم الاتفاق على نشر 750 جنديًا مصريًا على الحدود لمنع التسلل.
- بعد 2011: عقب ثورة يناير وسقوط نظام مبارك، سمحت إسرائيل لمصر بتعزيز وجودها العسكري في سيناء لمحاربة التنظيمات الإرهابية.
لكن كل مرة كانت مصر تحتاج إلى موافقة مسبقة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، وتجدد هذه الموافقة شهريًا.
ومع ذلك، هناك خلاف حول ما إذا كانت مصر تطلب الإذن أولًا ثم تنشر القوات، أم تنشرها ثم تبلغ إسرائيل لاحقًا.
بين التصعيد والتهدئة.. ماذا بعد؟
في ظل الأوضاع المتوترة إقليميًا، يبدو أن إسرائيل ترغب في ضمان الالتزام الصارم ببنود كامب ديفيد، لكنها تمتلك آليات دبلوماسية قائمة لمناقشة أي تجاوزات دون الحاجة للتصعيد العلني.
ومع تصاعد التوتر بين القاهرة وتل أبيب، يرى مراقبون أن الدبلوماسية الهادئة هي السبيل الأمثل لحل هذه الإشكالات، وليس “الدبلوماسية الصاخبة” التي قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة بدلًا من احتوائها.