
/ صالح سالم / العربي الجديد
تسارع مصر الخطى لوضع خطة لإعادة إعمار قطاع غزة، في مواجهة مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” تحت سيطرة أمريكية.
وبحسب تقارير إعلامية، حددت القاهرة الخطوط العريضة لخطة إعادة الإعمار، لكنها لن تصدر الصيغة النهائية قبل انعقاد قمة عربية مصغرة تستضيفها السعودية، اليوم 20 فبراير، وكذلك قبل القمة العربية الطارئة التي تستضيفها مصر في 4 مارس المقبل، بهدف الحصول على دعم عربي واسع.
إعادة الإعمار دون تهجير:
في ظل دمار واسع النطاق طال غزة جراء القصف الإسرائيلي المستمر لأكثر من 15 شهرًا، تؤكد مصر أن خطتها لا تتضمن تهجير السكان البالغ عددهم أكثر من 2.2 مليون فلسطيني.
ووفقًا للتسريبات الإعلامية، تتضمن الخطة نقل السكان إلى مناطق آمنة وتوفير مساكن مؤقتة لهم خلال مرحلة أولى تمتد لستة أشهر.
تلي ذلك مرحلة تمتد لـ18 شهرًا، يتم فيها بناء وحدات سكنية دائمة وإزالة ملايين الأطنان من الركام، بدءًا من جنوب غزة وصولًا إلى شمالها.
ومن المتوقع أن تشارك 24 شركة دولية و18 شركة استشارية في عمليات إعادة الإعمار، والتي قد تستغرق خمس سنوات وفقًا لتقديرات أولية.
موقف عربي موحد:
أثار مقترح ترامب لإخلاء غزة صدمة في الأوساط العربية، بينما لاقى ترحيبًا في أوساط اليمين الإسرائيلي الداعي إلى إعادة بناء المستوطنات في القطاع.
ويمثل هذا الطرح تحديًا للسياسات الدولية التقليدية بشأن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة فيما يتعلق بمستقبل غزة كجزء من الدولة الفلسطينية المنشودة.
وقد رفضت مصر والأردن الخطة الأمريكية بشكل قاطع، رغم الضغوط التي يمارسها ترامب عبر التلويح بوقف المساعدات العسكرية والمالية.
وخلال لقائه الرئيس الأمريكي في 11 فبراير، طالب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بمنح مصر الفرصة لعرض خطتها بشأن غزة، ما وضع القاهرة في موقع المسؤولية عن تقديم بديل واقعي وقابل للتطبيق.
وفي هذا السياق، أجّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارة كانت مقررة إلى واشنطن منتصف فبراير، مشترطًا عدم التطرق إلى خطة التهجير الأمريكية خلال أي لقاء مع ترامب، وربما لن يزور الولايات المتحدة قبل انعقاد القمة العربية الطارئة.
عقبات وتمويل غير واضح:
ورغم أهمية المبادرة المصرية، فإنها لا تزال تثير تساؤلات أكثر مما تقدم إجابات، خاصة فيما يتعلق بتمويل إعادة الإعمار.
بعض التقديرات تشير إلى أن التكلفة قد تتجاوز 50 مليار دولار، في حين أن إزالة 40 مليون طن من الركام قد تستغرق 15 عامًا، ما يفرض تحديات لوجستية وتمويلية هائلة.
كما أن الخطة لم توضح كيفية التعامل مع الوضع السياسي في غزة، ومستقبل حركة حماس، وهي قضايا جوهرية لضمان تنفيذها.
وفي هذا الصدد، يرى محللون أن استمرار وجود حماس في غزة قد يمنح إسرائيل ذريعة لاستئناف الحرب، وهو ما دفع الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، إلى مطالبة الحركة بالتنحي من أجل إعادة الإعمار ومنع أي ذرائع لعرقلة الجهود الدولية.
بديل واقعي أم مجرد مبادرة؟
في ديسمبر الماضي، توصلت حركتا حماس وفتح إلى اتفاق على تشكيل لجنة من 10 إلى 15 شخصية تكنوقراطية لإدارة شؤون غزة بعد الحرب.
ومؤخرًا، نقلت قناة “القاهرة الإخبارية” عن مصدر مصري تأكيده أن حماس وافقت على عدم المشاركة في إدارة القطاع خلال الفترة المقبلة.
إذا انسحبت حماس بالفعل من المشهد السياسي، فقد يساعد ذلك في وقف الضغوط الإسرائيلية لاستمرار الحرب، كما قد يقنع إدارة ترامب بأن إعادة الإعمار لن تشكل تهديدًا أمنيًا لإسرائيل.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن مصر من إقناع الإدارة الأمريكية بالتخلي عن خطتها للسيطرة على غزة؟
يبدو أن مقترح ترامب الصادم دفع الدول الإقليمية إلى تقديم حلول بديلة، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الأسبوع الماضي، حيث قال: “حاليًا، الخطة الوحيدة المطروحة – حتى لو لم تعجبهم – هي خطة ترامب. إذا كان لديهم بديل أفضل، فهذا هو الوقت المناسب لتقديمه”.
وبينما تواصل مصر وقطر جهودهما لإنقاذ وقف إطلاق النار في غزة، يبقى نجاح التهدئة عاملًا حاسمًا في تمهيد الطريق أمام إعادة الإعمار، وهو ما ستكشفه التطورات خلال الأسابيع المقبلة.