Podcast Icon
سياسة
أخر الأخبار

سوريا.. “قسد” ومأزق التدخل العسكري التركي

تتزايد التوترات في الساحة السورية وسط الحديث المتصاعد عن احتمال تدخل عسكري تركي شمال البلاد، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت قوات سوريا الديمقراطية (“قسد”) ستقدم تنازلات جديدة بهدف تجنب التصعيد العسكري.

يعكس هذا الملف تعقيدا واضحا إذ تداخل فيه العديد من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تتضارب المصالح وتتداخل الأهداف في وقت تبدو فيه خيارات الأطراف المعنية محدودة وسط الضغوط المتزايدة لتحقيق توازن بين الأمن والاستقرار.

بين التفاوض والتنازلات

في تصريحاته لشبكة “سكاي نيوز عربية”، كشف قائد “قسد” مظلوم عبده عن وجود تفاهمات أساسية مع الحكومة السورية حول مستقبل البلاد، مؤكداً على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

كما أبدى عبده استعداداً للتفاوض مع تركيا بهدف خفض التصعيد، مشيراً إلى أن الحوار هو الحل الأفضل للأزمة.

هذه التصريحات تشير إلى تحول محتمل في سياسة “قسد”، التي ربما بدأت تدرك أن الحفاظ على مكاسبها العسكرية والإدارية يتطلب مرونة أكبر في التعامل مع الضغوط التركية.

غير أن هذا التوجه يظل محفوفاً بالمخاطر، إذ أن أي تنازل يتعلق بموقع “قسد” العسكري أو السياسي قد يهدد مشروعها للإدارة الذاتية، الذي يشكل ركيزة أساسية لطموحاتها في شمال شرق سوريا.

تركيا.. غموض الموقف

على الجانب التركي، يتضح الموقف من تصريحات وزير الخارجية التركي، الذي أكد أن أنقرة لا تسعى لاحتلال الأراضي السورية، لكنها تعتبر انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني من المنطقة الحدودية شرطاً ضرورياً لتحقيق الاستقرار.

تركيا تصر على ضرورة إزالة التهديدات الكردية على حدودها الجنوبية، كما تسعى إلى دمج “قسد” أو ما تبقى منها في هيكل الدولة السورية الجديد.

من جانبه، أوضح أستاذ العلاقات الدولية سمير صالحة أن الأزمة الحالية تتمحور حول مسارين رئيسيين: الأول؛ المسار السوري- السوري، الذي يتضمن حواراً بين “قسد” ودمشق، وهو مسار يعاني من غياب التفاهمات الواضحة، إذ ترفض دمشق منح “قسد” أي استقلالية فعلية في حين تصر الأخيرة على مشروعها للإدارة الذاتية.

المسار الثاني؛ الأمريكي التركي، الذي يتمحور حول العلاقة بين واشنطن، التي تدعم “قسد”، وأنقرة، التي تعتبرها تهديداً لأمنها القومي.

وفي هذا السياق، يشير صالحة إلى أن كلاً من دمشق وأنقرة، رغم خلافاتهما، تتفقان على رفض استمرار الوضع الراهن لـ “قسد”. كما أن “قسد” تواجه ضغوطاً متزايدة من جانب كل من أمريكا وروسيا لتقديم تنازلات لصالح تركيا أو النظام السوري.

الدور الدولي: حسابات معقدة

لا يمكن فهم الوضع السوري دون النظر إلى التدخلات الدولية. فرنسا، على سبيل المثال، تسعى لتحويل جزء من التحالف الدولي إلى قوات عازلة داخل سوريا، وهو ما ترفضه أنقرة ودمشق على حد سواء.

أما الولايات المتحدة، فتدعم “قسد” عسكرياً لكنها لا تقدم ضمانات لحمايتها من التدخل التركي، مما يضع “قسد” في موقف هش حيث تعتمد على الدعم الأمريكي لكنها تدرك أن واشنطن قد تتخلى عنها إذا كان ذلك يخدم مصالحها الاستراتيجية مع أنقرة.

ومع تصاعد الضغوط، يطرح السؤال حول ما يمكن أن تقدمه “قسد” لتجنب المواجهة العسكرية مع تركيا:

-الانسحاب من المناطق الحدودية:

فقد تضطر “قسد” للموافقة على إنشاء منطقة آمنة على طول الحدود مع تركيا تحت سيطرة مشتركة بين قوات دولية والنظام السوري.

– إعادة هيكلة قواتها:

إذ توافق “قسد” على دمج وحداتها في الجيش السوري مع الحفاظ على بعض الخصوصية في مناطق نفوذها.

– التخلي عن حزب العمال الكردستاني:

قد تكون هذه خطوة ضرورية لتهدئة المخاوف التركية، لكنها قد تؤدي إلى انشقاقات داخل صفوف “قسد”.

وعلى الرغم من المحاولات لخفض التصعيد، يبقى احتمال المواجهة العسكرية قائماً. تركيا تعتبر أمنها القومي قضية لا يمكن التفاوض بشأنها، وقد تجد نفسها مضطرة للتدخل إذا شعرت بعدم جدية “قسد” في تنفيذ الشروط المطلوبة.

من جهة أخرى، تواجه “قسد” معضلة مزدوجة: التنازل يعني فقدان جزء من نفوذها، بينما التصلب في مواقفها قد يؤدي إلى فقدان الدعم الدولي، خاصة إذا قررت واشنطن تقليص التزاماتها في سوريا.

المشهد الحالي يعكس معادلة معقدة، حيث يسعى كل طرف لتحقيق أهدافه دون تقديم تنازلات جوهرية. كما يشير سمير صالحة، فإن “غياب الثقة بين الأطراف يشكل العقبة الأبرز أمام أي تسوية سياسية”.

في حال تحقق تفاهم بين “قسد” وتركيا، فإنه سيكون مشروطاً بحلول وسط تضمن مصالح الطرفين، لكن في ظل الوضع الراهن، يبقى التصعيد احتمالاً قائماً، خاصة إذا فشلت الأطراف الدولية في لعب دور فعال في تقريب وجهات النظر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى