Podcast Icon
سياسة

سوريا بعد الأسد: مخاض التحول بين الوحدة والانقسام

في ديسمبر 2024، شهدت سوريا تحولًا جذريًا بعدما أطاح تحالف بقيادة “هيئة تحرير الشام” بالنظام الذي حكم البلاد لما يقرب من خمسة عقود، ليتم تشكيل إدارة مؤقتة جديدة. ومع ذلك، تسود حالة من عدم اليقين حول مستقبل البلاد، حيث تسعى القوى الدولية إلى توجيه القيادة السورية الجديدة نحو حكومة شاملة تتجنب النزعات الانتقامية والطائفية.

تحديات الإدارة الجديدة

يرحب الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بالمطالب الدولية لحكومة أكثر شمولًا، لكن التوجس الدولي مستمر، خاصة أن “هيئة تحرير الشام”، التي تقود المرحلة الانتقالية، ما زالت تُصنّف كمنظمة إرهابية في العديد من الدول الغربية نظرًا لجذورها المرتبطة بتنظيم القاعدة.

وفقًا لدراسات أجراها باحثون من “كينغز كوليدج لندن” و”كلية لندن للاقتصاد”، فإن فهم دوافع أعضاء “هيئة تحرير الشام” والمتمردين الآخرين يعد أمرًا بالغ الأهمية لكسر دورة العنف والقمع في سوريا. ومن خلال استطلاعات ومقابلات مع مئات المقاتلين السابقين والحاليين، تبين أن هناك تباينات في الرؤى والأهداف بين الفصائل المختلفة التي شاركت في الإطاحة بالنظام السابق.

تحالف هش يقود التغيير

كتب باحثون في مجلة “فورين أفيرز” أن سقوط الأسد جاء نتيجة تحالف غير معتاد بين ثلاث فصائل رئيسية: “هيئة تحرير الشام”، و”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، و”غرفة العمليات الجنوبية” التي تضم مقاتلين من جنوب سوريا. ورغم أن “هيئة تحرير الشام” كانت الأكثر تنظيمًا وقوة في الهجوم ضد الأسد، فإن الجماعات الأخرى لعبت أدوارًا حاسمة، حيث وصلت بعض وحداتها إلى أطراف دمشق قبل قوات “هيئة تحرير الشام”.

لكن مع بداية مرحلة الحكم الانتقالي، بدأت المخاوف تتصاعد حول مدى تمثيل الإدارة الجديدة لكافة أطياف المجتمع السوري. وعلى الرغم من إعلان الشرع ونظرائه في الجماعات الأخرى نيتهم تفكيك التشكيلات العسكرية لإنشاء جيش وطني موحد، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الشرع سيشارك السلطة فعليًا.

عقبات أمام تشكيل حكومة موحدة

يواجه تشكيل حكومة موحدة عراقيل كبيرة، أبرزها الدعم التركي الصريح لفصائل “الجيش الوطني السوري”، إذ تسعى أنقرة إلى تعزيز نفوذها الإقليمي ومنع نشوء كيان كردي مستقل في سوريا. ومن خلال تقديم التمويل والتسليح، عمّقت تركيا الفجوة بين الفصائل، مما زاد من تردد بعض أعضاء “الجيش الوطني” في الانضمام إلى الجيش الوطني الجديد.

إلى جانب ذلك، تشهد العلاقة بين الفصائل السورية تصعيدًا متزايدًا، خاصة مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تسيطر على شمال شرق سوريا، حيث اندلعت اشتباكات متكررة بين “قسد” و”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، مما يهدد فرص توحيد البلاد تحت إدارة واحدة.

الخلافات الأيديولوجية تطفو مجددًا

بعد سقوط الأسد، عادت التناقضات الأيديولوجية بين الفصائل السورية إلى السطح، وهو ما ينذر بجولة أخرى من الحرب الأهلية. ففي إحدى المقابلات، صرح مقاتل من “الجيش الوطني السوري” قائلًا: “لن أقاتل هيئة تحرير الشام الآن، لكنني سأقاتلها بعد سقوط الأسد”، مما يعكس انقسامات عميقة قد تؤدي إلى صراع داخلي جديد.

هل تنجح سوريا في تجاوز الماضي؟

لتجنب الفوضى، يرى الباحثون أن الفصائل السورية بحاجة إلى الالتفاف حول هدف مشترك يتمثل في بناء دولة عادلة ومستقرة، وهو أمر يعتمد بشكل كبير على مدى استعداد القيادة الجديدة للتخلي عن عقلية الهيمنة العسكرية والانخراط في عملية سياسية شاملة.

في هذا السياق، يشدد الباحثون على ضرورة أن تتعامل القوى الدولية بحذر مع الإدارة الجديدة، فلا يتم منحها الشرعية الكاملة إلا بعد إحراز تقدم ملموس نحو الحكم الشامل، خاصة فيما يتعلق بحماية حقوق الأقليات وضمان التعددية السياسية. فهل تستطيع سوريا تجاوز إرث الماضي وبناء مستقبل جديد، أم أنها ستنزلق مرة أخرى في دوامة الصراع؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى