
في مدينة حمص، ثالث أكبر مدن سوريا، يسود القلق بين أبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد، وذلك بعد أيام من حملة أمنية شنّتها السلطات الجديدة في أحيائهم للبحث عن “فلول النظام”، والتي أسفرت عن اعتقال المئات، حسبما أفاد سكان محليون.
في وسط حمص، تعجّ السوق بالمواطنين الذين جاؤوا لشراء الفاكهة والخضار من بائعين وسط المباني المدمرة التي ثقبتها رصاصات الحرب. لكن عند مداخل الأحياء ذات الغالبية العلوية، كان يقف مسلحون بلباسهم العسكري عند نقاط تفتيش جديدة أقيمت بعد رفع حظر التجول هذا الأسبوع.
وذكر سكان من الأحياء العلوية في حمص التي شملتها عمليات التمشيط لوكالة “فرانس برس” أن العديد من الشبان، بما في ذلك الجنود الذين سلموا أسلحتهم وخضعوا للتسوية، تم اعتقالهم. وقد طلب الجميع الذين تحدثوا للوكالة عدم الكشف عن هويتهم خوفاً على سلامتهم.
وقال أحد سكان حي الزهراء، الذي يهيمن عليه العلويون، إن “ما نعيشه هو واقع الخوف”. وأضاف: “في البداية كانت حالات فردية، لكن مع كثرتها، لا يمكننا أن نسميها بذلك بعد الآن”.
النسبة الكبرى مدنيون:
منذ توليها السلطة في 8 ديسمبر، تحاول القيادة الجديدة في سوريا طمأنة الأقليات، لكن العلويين يخشون من ردود فعل عنيفة ضدهم بسبب ارتباطهم الطويل بعائلة الأسد. ومن جانبها، نفت السلطات ارتكاب أي انتهاكات.
وقال شحادة ميهوب، عضو مجلس الشعب السابق عن محافظة حمص، إنه وثّق انتهاكات واعتقالات لعدة مئات من الأشخاص في حي الزهراء، موضحاً لوكالة “فرانس برس”: “لدي الآن 600 اسم معتقل في حي الزهراء”، وأضاف أن العدد الإجمالي للمعتقلين في حمص يزيد عن 1380 شخصاً.
وأشار ميهوب إلى أن المعتقلين شملوا “عمداء متقاعدين وعقداء الذين أجروا التسوية في المراكز النظامية، لكن النسبة الكبرى منهم هم مدنيون وجنود كانوا في الخدمة الإلزامية”.
وأضاف أن الإدارة الجديدة التي تولت الحكم بعد الإطاحة بالأسد قد فتحت مراكز لتسوية أوضاع المقاتلين السابقين ودعت الجنود إلى تسليم أسلحتهم.
في حي السبيل، أفاد ميهوب بتعرض مجموعة من الضباط للضرب أمام عائلاتهم.
كما ذكر أحد سكان حي الزهراء أنه لا يعرف شيئاً عن مصير ابنه، الذي كان جندياً في الجيش، بعد اعتقاله في نقطة تفتيش بريف حماه الأسبوع الماضي.
وقال رامي عبد الرحمن، مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، لوكالة “فرانس برس” إن 1800 شخص على الأقل تم توقيفهم في حمص وريفها، غالبيتهم من العلويين.
منذ الإطاحة بالأسد، تصاعدت أعمال العنف ضد العلويين في مختلف المناطق السورية، وسجّل المرصد السوري مقتل 150 علوياً، خاصة في محافظتي حمص وحماه.
كانت حمص، التي تضم غالبية سنية بالإضافة إلى أقليات علوية ومسيحية، قد أُطلق عليها “عاصمة الثورة” في بداية النزاع عام 2011، حيث كانت من أولى المدن التي شهدت مظاهرات ضد النظام، وواجهت قمعاً عنيفاً، ووصل فيها العنف الطائفي إلى ذروته خلال الحرب.
في الأيام الماضية، انتشرت مقاطع فيديو على الإنترنت تُظهر مسلحين يجمعون رجالاً في حمص ويأمرونهم بالجلوس القرفصاء وإصدار أصوات نباح، كما ظهر في أحد المقاطع مقاتل يطأ على المعتقلين. ولم تتمكن “فرانس برس” من التحقق من صحة جميع المقاطع، لكنها تحدثت مع محمد أبو علي (21 عاماً) من هيئة تحرير الشام، الذي صور نفسه أثناء طلبه من المعتقلين إصدار أصوات نباح.
وقال أبو علي لـ “فرانس برس”: “هؤلاء مجرمون وشبيحة ارتكبوا مجازر في حمص في السنوات الأولى من الحرب”، وأضاف: “لقد اعتقلناهم وسلمناهم للجهات المعنية”.
سئمنا الحرب:
وقال أبو يوسف، مسؤول في هيئة تحرير الشام في حمص، إن وزارة الداخلية عثرت على “ثلاثة مخازن أسلحة وألقت القبض على عشرات المطلوبين” خلال عمليات تمشيط المدينة.
وأعلنت إدارة الأمن العام في حمص يوم الاثنين عن انتهاء حملة تمشيط استمرت خمسة أيام في الأحياء، لكنها أكدت أن عمليات التفتيش لا تزال مستمرة وأن المنطقة “لم تُطهر بالكامل من فلول النظام”.
وأوضح المسؤول: “نريد الأمن والأمان للجميع، للسني والعلوي والمسيحي وكل السوريين”.
في حي باب عمرو، معقل فصائل المعارضة الذي استعاده الجيش السوري في عام 2012، يسيطر الدمار على جوانب الطرقات، وتظهر آثار الرصاص والقذائف على جدران المنازل وأبوابها. فايز الجمال (46 عاماً)، الذي فرّ إلى لبنان قبل عقد من الزمن، عاد مع عائلته ليجد منزله مدمراً.
وأشار الجمال إلى أماكن بين المباني المدمرة حيث قتل أو اختفى جيرانه وأصدقاؤه، لكنه قال: “نحن سئمنا الحرب والذل، نريد فقط أن يتمكن الجميع من عيش حياتهم. نحن ضد الطائفية”.