Podcast Icon
سياسة
أخر الأخبار

تحليل: الضغوط الخارجية على إيران… هل تؤدي إلى قمع داخلي أشد؟

بقلم: سعيد جعفري – محلل لشؤون الشرق الأوسط

مع تصاعد التوترات حول البرنامج النووي الإيراني، تبرز تساؤلات حول تداعيات أي ضربة عسكرية محتملة من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل على الأوضاع الداخلية في إيران.

فبينما يرى بعض معارضي النظام في التدخل العسكري فرصةً لإحداث تغيير سياسي، يشير التاريخ إلى أن مثل هذه الهجمات قد تؤدي إلى نتيجة معاكسة تمامًا.

القمع الداخلي ومواجهة التهديدات الخارجية

شهدت إيران في السنوات الأخيرة تصاعدًا غير مسبوق في حالة السخط الشعبي، حيث بلغ الاستياء من النظام مستويات هي الأعلى منذ ثورة 1979.

ومع ذلك، فإن التجربة التاريخية تشير إلى أن الأزمات الخارجية عادةً ما تدفع السلطات الإيرانية إلى تكثيف القمع الداخلي، وليس العكس.

خلال الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، استغلت الحكومة الإيرانية المناخ الحربي لتشديد قبضتها على المعارضة الداخلية، وهو السيناريو الذي قد يتكرر في حال وقوع هجوم عسكري جديد.

فمن المرجح أن يستخدم النظام أي ضربة خارجية كذريعة لمواصلة قمع الحريات السياسية والاجتماعية، وتصوير المعارضين على أنهم عملاء لقوى أجنبية، مما يساعده على حشد مؤيديه، وحتى استقطاب شرائح مترددة في المجتمع الإيراني.

التأثير على البرنامج النووي الإيراني

على الصعيد التقني، يظل تأثير الضربة العسكرية على قدرة إيران النووية محل شك.

على عكس مفاعل “أوزيراك” العراقي الذي دمرته إسرائيل عام 1981، أو المنشأة السورية في دير الزور التي تعرضت لضربة مماثلة عام 2007، فإن البنية التحتية النووية الإيرانية أكثر تعقيدًا وانتشارًا، مع وجود مواقع مثل منشأة فوردو المحصنة تحت الأرض.

وهذا يعني أن القضاء الكامل على البرنامج النووي الإيراني سيكون تحديًا عسكريًا هائلًا، حتى مع استخدام أسلحة متطورة قادرة على اختراق التحصينات.

لكن الأهم من ذلك هو التداعيات السياسية. حتى الآن، حافظ القادة الإيرانيون على خطاب يؤكد أن برنامجهم النووي سلمي، لكن أي هجوم قد يدفعهم إلى مراجعة هذا النهج.

فمن الممكن أن تستنتج طهران أن السبيل الوحيد لضمان أمنها وردع أي تهديدات مستقبلية هو تسريع العمل على امتلاك سلاح نووي. وبالتالي، بدلاً من إبطاء البرنامج النووي، قد يؤدي العمل العسكري إلى دفع إيران نحو السلاح النووي بوتيرة أسرع.

انعكاسات إقليمية قد تخرج عن السيطرة

لا يقتصر خطر التصعيد على الداخل الإيراني فحسب، بل يمتد إلى الشرق الأوسط بأكمله.

فقد هددت طهران مرارًا بأن أي ضربة عسكرية ستجعل المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة أهدافًا مشروعة للرد.

ورغم أن بعض الأصوات تشير إلى مقتل قاسم سليماني عام 2020 كمثال على قدرة واشنطن على تنفيذ عمليات دون أن تواجه ردود فعل واسعة من طهران، إلا أن المقارنة هنا قد تكون مضللة.

فاستهداف فرد، مهما كانت أهميته، يختلف تمامًا عن استهداف برنامج نووي شكّل أحد أركان الاستراتيجية الإيرانية لعقود.

ومع تراجع نفوذ بعض الجماعات الوكيلة لإيران في المنطقة، قد تجد طهران نفسها مضطرة إلى الرد مباشرةً، مما قد يؤدي إلى تصعيد غير مسبوق.

في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن أي ضربة عسكرية ضد إيران قد تحمل نتائج عكسية، سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي.

بدلاً من إضعاف النظام الإيراني، قد تؤدي إلى تعزيز قبضته الأمنية وتقوية حججه في مواجهة المعارضة الداخلية.

كما أنها قد تسرّع مساعي طهران نحو امتلاك سلاح نووي، ما يزيد من تعقيد المشهد الأمني في الشرق الأوسط.

في النهاية، فإن أي حسابات استراتيجية تجاه إيران يجب أن تأخذ في الاعتبار ليس فقط الأثر العسكري، بل التداعيات السياسية والاجتماعية طويلة الأمد، داخل إيران وخارجها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى