
الباحثة هولي داجرز في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، طرحت رؤية حول أثر وقف المساعدات الأمريكية على مواجهة إيران في منطقة الشرق الأوسط.
وقالت إنه حتى التجميد المؤقت للمساعدات يمكن أن يلحق ضررًا بالغًا بالبرامج الحيوية التي تضغط على النظام الإيراني، وتبقي واشنطن على اطلاع بتطورات الأوضاع داخل البلاد، وتضمن سلامة مناضلي الحرية على الأرض.
تداعيات تعليق المساعدات الأمريكية
عندما وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا بإعادة تقييم المساعدات الخارجية في يناير، احتفت الصحف الإيرانية بالقرار، معتبرة إياه “ضربة قاتلة للمعارضة” و”صدمة مالية لمعارضي النظام”.
تضمن القرار تعليقًا فوريًا لتمويل المنظمات غير الحكومية لمدة 90 يومًا، لحين مراجعة كل منحة على حدة، لضمان فعاليتها وتوافقها مع أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.
رغم أن فترة 90 يومًا قد تبدو قصيرة، إلا أن أي توقف في التمويل يشكل تهديدًا خطيرًا لمنظمات حقوق الإنسان وحرية الإنترنت التي تركز على إيران.
فمثل هذا التعليق يضعف جهود توثيق الانتهاكات، ويقلل من قدرة واشنطن على ممارسة ضغط ناعم على النظام الإيراني، وهو الأسلوب الذي لطالما فضّله ترامب بدلاً من التدخل العسكري.
وفي حين قد يواصل بعض الناشطين عملهم بشكل تطوعي، سيضطر آخرون للبحث عن مصادر دخل بديلة، مما يؤدي إلى تبديد الموارد والانتباه عن قضية حيوية تمس حياة الإيرانيين وأهداف السياسة الأمريكية في المنطقة.
دعم الإيرانيين
على مدار عقدين، قدّمت وزارة الخارجية الأمريكية منحًا من خلال “صندوق الديمقراطية الإقليمية للشرق الأدنى”، لدعم منظمات أساسية في الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الإنترنت في إيران. تشمل مهام هذه المنظمات:
- توثيق الانتهاكات وتقديم تقارير ميدانية حيوية.
- ممارسة الضغط في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة.
- توفير الحماية والدعم للأفراد المهددين داخل إيران.
- تقديم أدوات التحايل على الرقابة، مثل الشبكات الافتراضية الخاصة (VPNs)، في بلد يحظر 35% من أكثر المواقع شعبية عالميًا، مثل فيسبوك، تويتر، ويوتيوب.
من دون هذه الجهود، ستظل معاناة الإيرانيين في الظل، في بلد يحتل المرتبة الأولى عالميًا في عدد الإعدامات نسبة إلى عدد السكان، ويقبع ضمن أسوأ 11 دولة في مؤشر الحرية العالمي.
كذلك، فإن غياب أدوات تجاوز الحجب سيحرم الإيرانيين من وسائل التواصل مع العالم الخارجي، وهي الأدوات التي استخدموها بفعالية منذ “الحركة الخضراء” عام 2009، لتوثيق الاحتجاجات وكشف قمع النظام.
المساعدات الأمريكية وانتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية“
في عام 2022، انطلقت انتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية” بعد مقتل مهسا أميني، وانتشر وسمها بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى احتجاجات غير مسبوقة.
لولا دعم وزارة الخارجية الأمريكية لأدوات التحايل على الحجب، لما تمكّن نحو 30 مليون إيراني من مشاركة المعلومات والأحداث في الوقت الفعلي، ما جعل القمع الوحشي الذي واجهته الاحتجاجات قضية دولية كبرى.
ساعدت المنظمات الحقوقية في توثيق جرائم النظام، مما أدى إلى قيام لجنة تقصي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة بتأكيد ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” خلال حملة القمع. وعلى الرغم من القمع المستمر، عززت هذه المنظمات صمود الإيرانيين في مواجهة الاستبداد.
ولكن، إذا وقعت أحداث كبرى خلال فترة تجميد المساعدات – مثل احتجاجات واسعة، وفاة المرشد الأعلى علي خامنئي، أو هجوم على المنشآت النووية – فإن غياب التمويل سيعيق بشدة قدرة النشطاء على الاستجابة بسرعة، بما يشمل توثيق الانتهاكات، وتأمين أدوات التحايل على الرقابة، ودعم المعتقلين والمصابين.
الأمن القومي الأمريكي وحقوق الإنسان
لطالما دعمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منح وزارة الخارجية المتعلقة بإيران، سواء تحت حكم الجمهوريين أو الديمقراطيين، ما يجعل تعليقها الشامل بمثابة رسالة خاطئة قد يستغلها النظام الإيراني.
فقد فسّرت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية هذا التجميد على أنه مؤشر إيجابي من واشنطن، بل ذهبت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إيرنا) إلى حد القول إن خفض التمويل قد “يؤثر على مسار العلاقات” بين البلدين.
يُفضل صانعو السياسة الأمريكيون، بمن فيهم الرئيس ترامب، ممارسة الضغط على إيران بوسائل غير عسكرية، مما يجعل دعم المنظمات الحقوقية أداة ضرورية في استراتيجية “الضغط الأقصى”. وعلى مدار العقود الماضية، أثبتت الجهود الأمريكية لتعزيز حقوق الإنسان أنها تخدم المصالح القومية للولايات المتحدة، حيث توفر نفوذًا فعالًا لتغيير سلوك الأنظمة القمعية.
ما الذي يجب على الوزير ماركو روبيو فعله الآن؟
بصفته مدافعًا طويل الأمد عن حقوق الإنسان، ينبغي على وزير الخارجية ماركو روبيو اتخاذ الخطوات التالية:
- إصدار إعفاء فوري يسمح لمنظمات حقوق الإنسان وحرية الإنترنت باستئناف عملها أثناء مراجعة المنح.
- توسيع المبادرات الخاصة بحرية الإنترنت، نظرًا لدورها المحوري في التطورات داخل إيران وفي فهم واشنطن لهذه الأحداث.
- التعاون مع شركات التكنولوجيا لتوفير وصول مباشر ومنخفض التكلفة للإنترنت عبر الأقمار الصناعية في إيران.
- إعطاء الأولوية للقاء المعارضين الإيرانيين، وخاصة المشاركين في انتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية”، لإظهار التزام الإدارة الأمريكية بقضيتهم.
- تعيين مبعوث خاص لإيران لتعزيز رسالة الدعم الأمريكية، واستخدام الحساب الرسمي للمبعوث على تويتر للتواصل مع وسائل الإعلام الفارسية المؤثرة.
- تعزيز المحتوى الفارسي عبر منصات الخارجية الأمريكية، لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان ودعم المعتقلين على خلفية تهم ملفقة.
الشعب الإيراني يعوّل على دعم الولايات المتحدة، واستمرار التمويل الأمريكي دون انقطاع يشكّل ركيزة أساسية في نضالهم من أجل الحرية.