
تعيش إيران حالة من القلق المتزايد إزاء تحولات السياسة الروسية التي قد تعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة، حيث باتت موسكو أكثر انفتاحًا على التفاهمات مع الغرب، ما قد يترك طهران في موقف ضعيف ومعزول.
جريدة “النهار اللبنانية” تناولت بالتحليل والتغطية، التداعيات المحتملة للتحول في الموقف الروسي نحو الانفتاح مع الغرب وأمريكا، وانعكاساته على الموقف الإيراني من القضايا الإقليمية والدولية الذي يتعارض مع الغرب.
تراجع الدعم الروسي للأسد.. نقطة تحول
على مدار 14 عامًا، لعبت روسيا وإيران دورًا محوريًا في دعم نظام بشار الأسد، حيث كانت طهران تقدم الدعم الميداني المباشر، فيما تكفلت موسكو بالتفوق الجوي الذي قلب موازين المعارك لصالح النظام.
إلا أن التطورات الأخيرة كشفت عن تراجع ملحوظ في الدعم الروسي، حيث اقتصر تدخل موسكو على تأمين انتقال آمن للأسد من دمشق إلى اللاذقية، ومنها إلى موسكو، دون أي تدخل عسكري فعلي لإنقاذه من الانهيار.
وتشير تقارير إلى وجود اتفاق غير معلن بين روسيا وأمريكا وتركيا لتسهيل انتقال السلطة في دمشق بأقل تكلفة، ما أدى إلى سقوط النظام السوري بيد المعارضة بقيادة أحمد الشرع، زعيم “هيئة تحرير الشام”، وهو ما اعتبرته طهران خيانة روسية وضربة قاسية لمصالحها في سوريا.
روسيا والتفاهمات مع الغرب.. وأوكرانيا تتصدر
لا تتوقف التحولات الروسية عند سوريا، بل تمتد إلى الملف الأوكراني، حيث تسعى موسكو لإعادة ترتيب أوراقها عبر صفقات كبرى مع واشنطن.
ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أصبح وقف إطلاق النار في غزة وإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية على رأس أولويات الإدارة الأمريكية.
وسريعًا، تم التوصل إلى هدنة في غزة، ما يعكس وجود تفاهمات بين موسكو وواشنطن، خصوصًا أن أمريكا لم تدعُ أوكرانيا إلى محادثات السلام في الرياض، كما تبنت موقفًا مرنًا تجاه انفصال أربع محافظات شرق أوكرانيا، ومنها دونيتسك الغنية بالمعادن، لصالح روسيا.
وفي الوقت الذي أنفقت فيه الولايات المتحدة حوالي 18 مليار دولار لدعم أوكرانيا، فإن تغيّر مواقفها الأخيرة تجاه كييف يؤكد أن واشنطن تسعى لتحقيق مكاسب استراتيجية أكبر، حتى لو أدى ذلك إلى تصاعد الخلافات مع حلفائها الأوروبيين، كما عبّر المستشار الألماني أولاف شولتس عن ضرورة تبني أوروبا سياسة مستقلة عن أمريكا.
تحولات موسكو.. تهديد مباشر لإيران؟
التقارب الأمريكي الروسي يثير مخاوف طهران، حيث يرى محللون إيرانيون، مثل أحمد زيد أبادي، أن موسكو قد تسحب البساط من تحت أقدام إيران، سواء في سوريا أو غزة أو لبنان، مقابل حصولها على ضمانات غربية تتعلق بتخفيف العقوبات عنها.
بل إن السيناريو الأكثر خطورة يتمثل في احتمال قيام روسيا بتسريب معلومات عسكرية حساسة عن إيران إلى واشنطن وتل أبيب، وهو ما قد يسهم في تسهيل أي ضربة عسكرية ضد الجمهورية الإسلامية.
ورغم عدم وجود أدلة ملموسة حتى الآن تؤكد صحة هذه الفرضيات، فإن ما هو واضح هو أن إيران قد تكون إحدى أوراق التفاوض الرئيسية في الصفقة الروسية الأمريكية المحتملة، والتي قد تتضمن ضغوطًا مشددة على طهران للقبول بالشروط الأمريكية بشأن برنامجها النووي.
إيران بين خيارين:
لطالما تبنّت إيران سياسة “التحالف مع الشرق” كبديل عن العلاقات مع الغرب، لكن التحولات الجيوسياسية الأخيرة تكشف عن هشاشة هذا الرهان.
فكما تقاعست الصين خلال الولاية الأولى لترامب عن سداد مستحقات النفط الإيراني، فإن روسيا قد تتخلى عن مصالحها مع طهران إذا ما وجدت في التقارب مع واشنطن فائدة أكبر، لا سيما في ظل العقوبات المفروضة عليها بسبب حرب أوكرانيا.
في هذا السياق، تأتي زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى طهران كمحاولة لتهدئة المخاوف الإيرانية، لكن الأسئلة تبقى قائمة: هل ستكون هذه الزيارة مجرد محاولة لاحتواء الأزمة؟ أم أن طهران تدرك بالفعل أنها قد تواجه “الصدمة الروسية” قريبًا؟