Podcast Icon
سياسة
أخر الأخبار

هل يهدد الاقتصاد مستقبل قيس سعيد في تونس؟

شهدت تونس في ختام العام الماضي تظاهرات واحتجاجات شعبية استهدفت كان محورها الرئيس هو تفاقم الأزمة الاقتصادية، ما دفع بالعديد من التحليلات إلى اعتبارها مدخلا يمكن أن يقض مضاجع الرئيس قيس سعيد مستقبلا.

مركز مالكوم كير – كارنيغي الشرق الأوسط، نشر ورقة تحليلية للباحث حمزة المؤدب، تناول فيها أسباب الإنفاق المرتفع لنظام قيس سعيّد الذي يهدد بدخول البلاد في حلقة مفرغة قد تزعزع الاستقرار الاجتماعي.

ففي أعقاب مظاهرات الربيع العربي في العام 2011، لم تتمكّن الحكومات المتعاقبة في تونس من معالجة المشاكل الاقتصادية الراسخة، ما أطلق موجةً من الشعبوية بلغت ذروتها عند استيلاء الرئيس قيس سعيّد على السلطة في 25 تموز/يوليو 2021.

ومنذ تسلّم سعيّد سدة الحكم، أعطى الأولوية إلى تركيز الصلاحيات في شخص الرئيس، وإعادة بناء النظام السياسي لزيادة مركزية السلطة، وإضعاف الضوابط والتوازنات، وقمع المعارضة.

وبدلًا من معالجة التحديات الاقتصادية، اعتمد سعيّد سياسة مالية توسعية أدّت إلى ارتفاع متوسّط العجز المالي ليبلغ نحو 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الثلاث الماضية، وسط ركود النمو الاقتصادي.

وفي العام 2023، سجّلت البلاد ثاني أدنى مستوياتٍ من النمو الاقتصادي منذ العام 2015، عند 0.4%، بعد أن شهدت معدّل النمو الأدنى على الإطلاق في العام 2020، أي السنة الأولى من تفشّي وباء كوفيد-19. غالب الظن أن يستمرّ هذا المنحى من الأداء الاقتصادي الضعيف خلال الفترة المتبقّية من العام 2024، إذ توقّع صندوق النقد الدولي ألّا يزيد النمو عن حدود 1.6%.

وفي العام 2023، حدثت قطيعة مع صندوق النقد الدولي بسبب موقف سعيّد المناهض للمؤسسات المالية الدولية، ما أدّى إلى خسارة تونس كل مصادر تمويلها التقليدية تقريبًا.

واختار سعيّد تمويل العجز المالي بالاعتماد على الاقتراض من القطاع المصرفي ومن البنك المركزي، فشهدت البلاد ارتفاعًا قياسيًا في معدّل التضخم وصل إلى 9.3% ذلك العام.

وفي ظلّ غياب الإصلاحات الهيكلية، إضافةً إلى الإنفاق الزائد، وقعت تونس منذ العام 2021 في شرك السياسات غير المستدامة على صعيد الاقتصاد الكلّي. وأسفرت القرارات الاقتصادية المُرتجَلة التي اتّخذها سعيّد، والقائمة على رفض الإصلاحات والاعتماد الشديد على الاستدانة المحلية (نظرًا إلى ندرة مصادر الدين الخارجي)، عن التضحية باستثمارات مُنتِجة لصالح الحفاظ على الوضع الراهن المُكلِف.

وفي غضون ذلك، تراجع حجم الاستثمارات باطّراد منذ العام 2011، ولم يتعافَ بعد من صدمة وباء كورونا، إذ تدنّى من 26% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2011 إلى 14% في العام 2023، وسجّل انخفاضًا قياسيًا في العام 2020 بلغ 13%، ما أفضى إلى عواقب وخيمة، مثل انتشار البطالة والفقر. فقد ارتفعت معدّلات البطالة بشكل حادّ، لتصل إلى 39% في صفوف الشباب، و24% في صفوف خرّيجي الجامعات في العام 2023.

كما تعيش نسبة 17% من السكان تحت خط الفقر، وتطال براثنه 37% من سكان إقليم الوسط الغربي نظرًا إلى التفاوت الاجتماعي والتنموي بين المناطق.

نفقات اجتماعية غير عادلة:

الدراسة لفتت إلى أنه منذ العام 2021، شهدت الحصة المخصّصة للإنفاق الاجتماعي – أي التحويلات المالية والدعم – من ميزانية الدولة التونسية ارتفاعًا، واستُخدمت كشبكة أمان للتخفيف من حدّة تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

فقد بلغت نسبة التحويلات المالية والدعم 12% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2023، لتكون تونس من بين الدول الأعلى إنفاقًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ذلك العام.

هذا المنحى ليس جديدًا، إذ سلكت النفقات الاجتماعية في تونس بصورة تدريجية مسارًا تصاعديًا منذ العام 2011، وارتفعت نسبتها من 2.4% من إجمالي الناتج المحلي في العام 2010 إلى 6 و12% في العامَين 2018 و2023 على التوالي.

وأوضحت أن قرار الحكومة التونسية القاضي بالحفاظ على الإنفاق الاجتماعي المرتفع وتجنّب إجراء إصلاحات في نظام الدعم الشامل أو في الشركات المملوكة للدولة المسؤولة عن استيراد الوقود والمنتجات الغذائية الأساسية، ينبع من استراتيجيةٍ لإدارة الديون تستند إلى الإيديولوجيا الشعبوية من جهة، والحسابات السياسية من جهة أخرى.

قد أدّى رفض سعيّد إبرام اتفاقٍ مع صندوق النقد الدولي إلى مفاقمة شحّ التمويل الخارجي، الأمر الذي أرغم تونس على الاعتماد بشكل متزايد على قطاعها المالي المحلي، بما في ذلك البنك المركزي، من أجل تغطية عجز ميزانيتها.

لكن تنامي العجز نتيجة إصرار الرئيس على إبقاء الإنفاق الاجتماعي مرتفعًا أدخل البلاد في حلقة مفرغة تتكوّن من عوامل عدّة، هي: تعاظم العجز المالي، ومزاحمة تمويل القطاع الخاص، وضغوط تضخّمية، وانخفاض معدّل الاستهلاك بسبب التضخّم، وتراجع حجم الاستثمارات، ونقص فرص العمل وتدهور الظروف الاجتماعية، وتصاعد السخط الشعبي الذي يسعى النظام إلى تهدئته من خلال الإنفاق الاجتماعي المرتفع، ما يفاقم العجز المالي أكثر فأكثر.

ورغم الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، التي تشهد تدنّي معدّلات النمو وانتشار البطالة، حافظت الحكومة على مستويات مرتفعة من الإنفاق على أنظمة الحماية الاجتماعية.

ومع ذلك، باتت شبكات الأمان هذه أقل فاعليةً في حماية التونسيين، كما بدا واضحًا من تنامي مشاعر الاستياء بسبب تدهور الخدمات العامة، وخصوصًا في قطاعَي التعليم والرعاية الصحية، اللذَين أصبحا مُكلفَين جدًّا للطبقة الوسطى. علاوةً على ذلك، لا يزال نطاق الحماية الاجتماعية محدودًا، إذ يعجز عن توفير التغطية الكافية للفئات السكانية الفقيرة التي تزداد عددًا.

وفي الأخير؛ خلصت الدراسة إلى أنه مع احتدام الأزمة المالية، سيواجه سعيّد لحظة الحقيقة في العام 2025 وسط تحديات اجتماعية واقتصادية جمّة.

وسيتعيّن على تونس تلبية حاجاتها الملحّة إلى التمويل وتطبيق الإصلاحات الضرورية للخروج من حلقة الإنفاق المرتفع، والمديونية، والركود الاقتصادي. لكن هذه الإصلاحات ستقتضي من سعيّد وضع رصيده السياسي على المحك.

ومثلما أدّى تدهور الأحوال الاقتصادية إلى تعثّر عملية الانتقال الديمقراطي في العام 2021، قد تفضي التداعيات الاجتماعية للشعبوية إلى إغراق تونس في الاضطرابات نتيجةً للركود الاقتصادي، ومعدّلات التضخم المتنامية، والمخاطر المُحدِقة المرتبطة بانخفاض قيمة الدينار.

وحتى الآن، يبدو أن التونسيين يحاولون تدبّر أمورهم وسط الأزمة، ويختارون في الكثير من الأحيان الهجرة بدلًا من الاحتجاج. لذا، لا بدّ من الانتظار لرؤية كيف سيتعاملون مع التحديات الكثيرة في المستقبل، بعد أن أضنتهم الآمال المُبدَّدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى