Podcast Icon
سياسة

نوايا ترامب تجاه غزة تعكس جهلًا عميقًا

بقلم الباحثة نور عرفة
زميلة مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط

منذ فوزه بولاية ثانية، يصرّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أنه قادر على تحقيق “السلام” في الشرق الأوسط، معتبرًا نفسه جديرًا بجائزة نوبل للسلام بسبب جهوده في هذا الملف. ومع بدء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، كشف ترامب في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن رؤيته لما يسميه “السلام”، والتي تتجلى في التهجير القسري للفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.

تطرح رؤية ترامب مقاربة استعمارية جديدة، تنظر إلى غزة باعتبارها مشروعًا عقاريًا مربحًا بدلًا من كونها موطنًا للفلسطينيين. فقد دعا صراحةً إلى “تطهير” القطاع من سكانه، مطالبًا مصر والأردن باستقبال المهجرين الفلسطينيين. وعلى الرغم من موجة الإدانات الدولية، واصل تمسكه بهذا الطرح، مُصرحًا بأنه لا خيار أمام الفلسطينيين سوى مغادرة غزة بشكلٍ دائم دون حق العودة. وعندما أثارت تصريحاته انتقادات واسعة، حاول البيت الأبيض التخفيف من وقعها بالقول إن الإجلاء سيكون “مؤقتًا”.

رؤية قائمة على الإقصاء والتهميش

يتجاهل ترامب أي حلول سياسية عادلة، ويروّج بدلًا من ذلك لسياسات التهجير القسري والتطهير العرقي، متعاملًا مع الفلسطينيين وكأنهم العقبة الأساسية أمام السلام، وليسوا أصحاب القضية والحق. خطابه يعكس عقلية عنصرية تستند إلى تجريد الفلسطينيين من أي تطلعات سياسية أو إنسانية، مصورًا إياهم كأفراد بلا هوية أو إرادة، مما يُظهر جهلًا بتاريخهم وعمق ارتباطهم بأرضهم.

في محاولته تبرير خطته، صوّر ترامب غزة وكأنها “مكان غير قابل للعيش”، متجاهلًا عقودًا من الاحتلال والحصار والتدمير الممنهج الذي ساهمت فيه الولايات المتحدة نفسها من خلال دعمها العسكري لإسرائيل. فالحرب الأخيرة وحدها أودت بحياة أكثر من 61 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، ودمرت 92% من الوحدات السكنية في القطاع، تاركةً وراءها بنية تحتية متهالكة وركامًا قد يستغرق إزالته عقودًا.

إحياء لأطماع اليمين الإسرائيلي

لا تُعدّ رؤية ترامب للتهجير القسري فكرةً جديدة، بل هي إحياء لمطالب لطالما رددها اليمين المتطرف في إسرائيل، والذي يرى في هذه الخطة “فرصةً تاريخية” لإنهاء القضية الفلسطينية. فقد سبق أن صرح أرييل كالنر، عضو الكنيست من حزب الليكود، بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، بأن “الهدف الآن هو نكبة جديدة تتجاوز نكبة 1948”. كما دعا وزراء مثل إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش إلى فرض ظروف معيشية قاسية على الفلسطينيين لدفعهم إلى “الهجرة الطوعية”.

بعد المؤتمر الصحفي لترامب ونتنياهو، ساد الارتياح بين أوساط اليمين الإسرائيلي، حيث رأوا في دعمه العلني للترحيل الجماعي للفلسطينيين ضوءًا أخضر لدفن فكرة الدولة الفلسطينية نهائيًا.

مشروع تجاري بواجهة سياسية

بعيدًا عن مجرد دعم إسرائيل، يبدو أن مخطط ترامب نابع من مصالح اقتصادية بحتة، حيث يتعامل مع غزة كمشروع عقاري قابل للاستثمار. فقد أشار صهره ومستشاره السابق، جاريد كوشنر، إلى أن “العقارات على الواجهة البحرية لغزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة”. وتكرر حديث ترامب عن فرص الاستثمار العقاري في القطاع، مُعبرًا عن إعجابه بموقعه الساحلي ومناخه المعتدل، حتى إنه اقترح أن “تستولي” الولايات المتحدة على غزة وتحولها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، وكأن الفلسطينيين ليسوا جزءًا من المعادلة.

إعادة تعريف إعادة الإعمار

تظهر خطورة رؤية ترامب في محاولته إعادة تعريف مفهوم إعادة الإعمار، بحيث لا يكون لصالح الفلسطينيين، بل لخدمة المستثمرين الأجانب. وبدلًا من التركيز على إعادة إعمار غزة كجزء من عملية السلام، يُعيد ترامب رسم ملامح القطاع كمشروع تجاري، حيث لا مكان لأصحابه الأصليين.

مخاطر التطبيع مع التطهير العرقي

رغم رفض الفلسطينيين القاطع لمخطط التهجير القسري، تكمن خطورة تصريحات ترامب في أنها تُضفي شرعية على الدعوة العلنية إلى التطهير العرقي، بعدما كانت مثل هذه الأفكار مستهجنة وغير قابلة للنقاش علنًا. كما أن الجدل حول تصريحاته قد يُشتت الانتباه عن فشل إسرائيل في تحقيق نصر عسكري في غزة، وعجزها عن القضاء على حركة حماس، وهو ما يجعل من التوصل إلى حل سياسي عادل وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى