طبول الحرب أم صفقة كبرى؟ ترامب وإسرائيل في مواجهة إيران

في خضم الأحداث المتسارعة داخل البيت الأبيض، ربما لم يلحظ العالم الأسبوع الماضي التهديد الصريح الذي أطلقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن عمل عسكري مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران، في حال لم توافق طهران على التخلي عن برنامجها النووي.
ترامب بين وعوده الانتخابية وضغوط الحلفاء
يقول الكاتب ديفيد إغناثيوس في مقاله بصحيفة “واشنطن بوست” إن ترامب، الذي خاض حملته الانتخابية على أساس وقف الحروب وتقليل التدخلات العسكرية الأمريكية، لا يرغب في إشعال صراع جديد في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فهو يواجه ضغوطًا مكثفة من إسرائيل، التي ترى أن إيران تمر بفترة ضعف غير مسبوقة بعد الهزائم التي تعرض لها حلفاؤها في غزة ولبنان وسوريا، بالإضافة إلى الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي دمر أجزاء كبيرة من منظومتها الدفاعية الجوية ومواقع إنتاج الصواريخ في أكتوبر (تشرين الأول).
ونقل الكاتب عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين أن إسرائيل تسعى لاستغلال هذه اللحظة الحاسمة، وإذا لم توافق إيران على تفكيك منشآتها النووية بطريقة مشابهة لما حدث في ليبيا، فإنها مستعدة لتنفيذ ضربات جوية ضد تلك المنشآت، سواء بدعم أمريكي أو بدونه.
إدارة بايدن والموقف الحذر من الضربة الإسرائيلية
وأضافت المصادر أن إدارة الرئيس السابق جو بايدن درست في أيامها الأخيرة ما إذا كان عليها دعم هذا الإنذار الإسرائيلي، لكنها قررت في النهاية عدم الانخراط في أي مواجهة عسكرية مباشرة. واليوم، انتقل هذا الملف إلى مكتب ترامب، الذي يواجه قرارًا مصيريًا بشأن كيفية التعامل مع طهران.
وفي مقابلة مع الإعلامي بريت باير على قناة “فوكس نيوز”، تحدث ترامب بصراحة عن الخيار العسكري ضد إيران، قائلاً: “يعتقد الجميع أن إسرائيل، بمساعدتنا أو بدونها، ستتحرك لضرب المنشآت النووية الإيرانية. أفضل ألا يحدث ذلك. أفضل أن نبرم صفقة مع إيران، حيث يمكننا الإشراف عليها، التحقق منها، وتفتيشها، ثم التأكد من عدم وجود أي منشآت نووية أخرى.”
“المساومة أم المواجهة؟” نهج ترامب التفاوضي
يلخص ترامب دبلوماسيته القائمة على التهديد بالقوة بالقول: “هناك طريقتان لإيقاف إيران: بالقنابل أو عبر اتفاق مكتوب. وأنا أفضل أن أتوصل إلى صفقة.”
ويراهن ترامب على أن ضعف طهران قد يجبرها على تقديم تنازلات، مضيفًا: “أعتقد أن إيران متوترة للغاية. أعتقد أنهم خائفون. أعتقد أنهم يفضلون إبرام صفقة، وأنا كذلك، ولكن دون الحاجة إلى قصفهم.”
وأشار أيضًا إلى أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران أدى إلى شلل كبير في منظومتها الدفاعية الجوية، ما يجعل ضرب المنشآت النووية الإيرانية أكثر سهولة.
نتنياهو وترامب.. تنسيق عالي المستوى لضربة محتملة
ناقش رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع ترامب عدة مستويات محتملة من الدعم الأمريكي في حال قررت إسرائيل توجيه ضربة عسكرية ضد إيران. وتشمل الخيارات المطروحة:
الدعم العسكري المباشر، مثل تزويد إسرائيل بالمعلومات الاستخباراتية، إعادة التزود بالوقود، أو تقديم مساعدة لوجستية أخرى.
الدعم السياسي المحدود، عبر تأييد موقف إسرائيل دوليًا ومنح الشرعية لأي هجوم محتمل.
كما أن الولايات المتحدة زودت إسرائيل بالفعل بقنابل خارقة للتحصينات قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بمنشآت الطرد المركزي الإيرانية ومرافق تخصيب اليورانيوم، خاصة تلك الموجودة في منشأة فوردو النووية المحصنة تحت جبل قرب مدينة قم.
هل ستوجه إسرائيل ضربتها خلال 6 أشهر؟
بحسب تقييم استخباراتي عسكري أمريكي، فإن إسرائيل قد تنفذ هجومها على المنشآت النووية الإيرانية خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2025، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد، وفق ما نشرته “واشنطن بوست” يوم الأربعاء.
وقال برايان هيوز، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، إن ترامب يفضل الحلول الدبلوماسية، لكنه لن ينتظر إلى الأبد إذا لم تكن إيران مستعدة للتعاون قريبًا.
ما مدى فاعلية الضربة المحتملة؟
ناقشت كل من إدارة بايدن وإدارة ترامب تأثير ضربة إسرائيلية محتملة على البرنامج النووي الإيراني. ويعتقد مسؤولون أمريكيون أن الضربة قد تعطل البرنامج الإيراني لمدة 6 أشهر فقط في أفضل الحالات، بينما يرى المسؤولون الإسرائيليون أن تأثيرها قد يستمر لعام أو أكثر.
ترامب.. بين الحلم بصفقة تاريخية وخيار المواجهة
لطالما اعتبر ترامب نفسه “صانع صفقات”، وسعى منذ ولايته الأولى إلى التوصل لاتفاق جديد مع إيران.
وفي عام 2018، قام بإلغاء الاتفاق النووي الذي وقّع عليه باراك أوباما، مدعيًا أنه يمكنه التفاوض على صفقة أفضل وأشمل. وبدعم من رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حاول ترامب إقناع إيران بقبول اتفاق جديد تحت ضغط العقوبات الاقتصادية.
الحرب ليست خيارًا مفضلًا.. لكنها تبقى مطروحة
رغم أن ترامب لا يميل إلى شن حرب شاملة ضد إيران، إلا أن قراره قد يعتمد على حسابات نتنياهو أكثر من رؤيته الشخصية. فنتنياهو، المعروف بنهجه المتشدد تجاه إيران، قد يقرر المضي قدمًا في ضرب المنشآت النووية الإيرانية حتى دون دعم أمريكي مباشر.
بين التصعيد والتفاوض، ماذا سيحدث؟
هل ستشهد المنطقة تصعيدًا عسكريًا كبيرًا، أم أن ترامب سيحقق “صفقة كبرى” مع إيران، تضمن الأمن الإقليمي دون اللجوء إلى الحرب؟
في كلتا الحالتين، يبدو أن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة جديدة من التوترات والتغيرات الاستراتيجية، حيث قد يكون المستقبل محكومًا إما بالمفاوضات، أو بصوت الطائرات الحربية والقنابل الخارقة للتحصينات.