
تواجه العلاقات المصرية الإسرائيلية اختبارًا غير مسبوق في ظل التصعيد الإقليمي المتواصل، رغم مرور أكثر من أربعة عقود على توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، والتي ظلت حتى الآن ركيزة أساسية لاستقرار المنطقة.
فرغم فترات التوتر السابقة، كانت القاهرة وتل أبيب تحرصان على احتوائها، إدراكًا لأهمية استمرار السلام، إلا أن المتغيرات الأخيرة قد تضع الاتفاقية على المحك، وهو ما تناولته بالتحليل إذاعة مونت كارلو الدولية.
تصعيد إقليمي يهدد التوازن:
ألقت الحرب الإسرائيلية على غزة بظلالها على العلاقات المصرية الإسرائيلية، خاصة مع امتداد التصعيد ليشمل لبنان وسوريا.
لكن التطورات الأخيرة مثل احتلال إسرائيل لمحور فيلادلفيا، وتصاعد الدعوات لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ودعم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لهذا التوجه، شكلت مصدر قلق عميق للقاهرة.
ترى القيادة المصرية أن استمرار إسرائيل في استهداف الفاعلين الإقليميين قد يغير موازين القوى بشكل جذري، بما يهدد الدور المصري في المنطقة، ويمس أمنها القومي بشكل مباشر، بغض النظر عن طبيعة العلاقات التي تربطها بالأطراف المستهدفة.
تحركات عسكرية مصرية في سيناء:
أثارت التحركات العسكرية المصرية في سيناء قلقًا واسعًا في إسرائيل، خاصة بعد ظهور صور أقمار صناعية تكشف عن انتشار نحو 100 دبابة أبرامز قرب العريش.
واعتبرت تل أبيب أن هذه التحركات قد تشكل انتهاكًا لاتفاقية السلام التي تنص على إبقاء المنطقة منزوعة السلاح، بينما ترى القاهرة أن احتلال إسرائيل لمحور فيلادلفيا هو الانتهاك الحقيقي للاتفاقية.
ورغم التحفظ الإسرائيلي، فإن مصر لم تقدم أي تبريرات رسمية لهذه التحركات، في وقت تركز فيه وسائل الإعلام المصرية على أن التصعيد الإسرائيلي هو السبب الرئيسي وراء الإجراءات العسكرية الأخيرة.
مخاوف إسرائيلية:
التصعيد لم يقتصر على التحركات العسكرية، بل امتد ليشمل تصريحات رسمية إسرائيلية مثيرة للجدل.
فقد أعرب رئيس الأركان الإسرائيلي المنتهية ولايته، هرتسي هاليفي، عن قلقه من “التهديد الأمني المصري”، رغم تأكيده أن القوات المصرية في سيناء لا تمثل تهديدًا حاليًا.
لكنه أشار إلى أن الوضع “قد يتغير في لحظة”، في ضوء امتلاك مصر جيشًا كبيرًا مجهزًا بأسلحة متطورة تشمل غواصات ومقاتلات وصواريخ بعيدة المدى.
كما سبق لمندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، داني دانون، أن تساءل عن أسباب امتلاك مصر لهذا الحجم من الأسلحة، معتبرًا أنها لا تواجه تهديدات مباشرة تستدعي مثل هذا التعزيز العسكري.
هل نحن أمام مواجهة عسكرية؟
رغم التوتر المتزايد، لا يبدو أن أيًا من الطرفين يرغب في مواجهة مباشرة. فإسرائيل، المثقلة بحرب طويلة في غزة وجبهة مشتعلة في لبنان، لا تريد فتح جبهة جديدة مع أقوى الجيوش العربية.
في المقابل، تدرك القاهرة أن أي صدام عسكري مع تل أبيب سيؤدي إلى تدخل أمريكي مباشر لصالح إسرائيل، في وقت تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية خانقة.
ومع ذلك، فإن الوضع يبقى مرهونًا بمدى قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها الاستراتيجية، خاصة فيما يتعلق بتهجير الفلسطينيين أو فرض واقع جديد في غزة، وهو ما يبدو بعيد المنال حتى الآن.
في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تتجه المنطقة نحو تصعيد أكبر قد يعيد النظر في اتفاقية السلام، أم أن الجانبين سيسعيان لاحتواء التوتر، كما حدث في الأزمات السابقة؟