
هارون زيلين
معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى
بعد شهرين على الإطاحة بنظام بشار الأسد، تواجه سوريا مرحلة انتقالية معقدة تتطلب وضع أسس سياسية جديدة، وإعادة بناء الدولة، ومعالجة الملفات الأمنية والاقتصادية.
وعلى الرغم من تحقيق الاستقرار النسبي، إلا أن الغموض لا يزال يحيط بمستقبل البلاد، في ظل استمرار التحديات الداخلية والإقليمية.
مؤتمر باريس ومسار الانتقال السياسي
شارك مسؤولون سوريون في المؤتمر الدولي في باريس لمناقشة مستقبل الانتقال السياسي وإعادة إعمار البلاد.
وركز صناع القرار الدوليون على قضايا محورية، أبرزها مكافحة الإرهاب، ومحاسبة المتورطين في جرائم النظام السابق، ومستقبل الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران، إضافة إلى وضع الأسلحة الكيميائية والترتيبات الحدودية مع إسرائيل، وضمان شمولية العملية السياسية.
ملامح المرحلة الانتقالية
أعلن الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، عن تشكيل حكومة تصريف أعمال برئاسة محمد البشير، ومن المقرر أن تستمر حتى الأول من مارس/آذار.
كما أعلن عن بدء حوار وطني لصياغة دستور جديد، إلا أن انطلاقه تأجّل عدة مرات بسبب مشكلات لوجستية.
في 29 يناير/كانون الثاني، ألقى الشرع وعدد من القادة العسكريين خطابات أكدت على إنهاء المؤسسات المرتبطة بالنظام السابق، بما في ذلك دستور 2012، ومجلس الشعب، وحزب البعث، إلى جانب تفكيك الفصائل المسلحة وإدماجها في مؤسسات الدولة.
كما أكد العقيد حسن عبد الغني، المتحدث باسم إدارة العمليات العسكرية، أن الشرع سيتولى رئاسة المرحلة الانتقالية مع تشكيل مجلس تشريعي مؤقت إلى حين وضع دستور دائم.
تعزيز السيطرة وإعادة بناء الدولة
حدد خطاب الشرع أولويات المرحلة المقبلة، وتشمل:
- تحقيق السلم الأهلي وملاحقة مرتكبي الجرائم في النظام السابق.
- استكمال توحيد الأراضي السورية.
- بناء مؤسسات حكومية قوية قائمة على الكفاءة.
- إرساء أسس اقتصاد مستقر.
ورغم الإنجازات الأمنية التي تحققت، مثل اعتقال عناصر من حزب الله واعتراض عمليات تهريب المخدرات، لا تزال هناك تحديات، أبرزها القتال المستمر بين “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا و”قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة في الشمال الشرقي.
كما تجرى محادثات خلفية بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” للتوصل إلى تسوية، وسط خلافات بشأن الحدود، وموارد الطاقة، وحقوق الأقليات، ومستقبل الحكم المركزي أو الفيدرالي في البلاد.
التحديات الأمنية والاقتصادية
في محاولة لتوحيد الفصائل المسلحة، عقدت الحكومة الجديدة اجتماعات مع قادة الفصائل لدمجهم ضمن الجيش السوري الجديد ووزارة الدفاع بقيادة مرهف أبو كسرة.
وحتى الآن، انضم نحو 100 فصيل، بينهم “الجيش السوري الحر” المدعوم من الولايات المتحدة، فيما لا تزال بعض الفصائل مترددة.
على الصعيد الاقتصادي، شهدت الليرة السورية تحسنًا ملحوظًا بعد تخفيف العقوبات الدولية وزيادة الانخراط الدبلوماسي، حيث ارتفع سعر الصرف إلى 9000 ليرة للدولار، مقارنة بذروته عند 15000 ليرة.
كما أبدت عدة دول، منها تركيا ودول الخليج والأردن وفرنسا وإيطاليا، اهتمامًا بالاستثمار في إعادة الإعمار، رغم استمرار الأزمات المتعلقة بالفقر ونقص الكهرباء والطاقة.
التداعيات السياسية والموقف الدولي
على الرغم من التحسن النسبي في الأوضاع، لا تزال هناك مخاوف من أن تتحول الحكومة الجديدة إلى نسخة أخرى من الحكم الاستبدادي، خاصة مع غياب تمثيل واسع في العملية السياسية.
وتواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها تحدي دعم الاستقرار في سوريا، مع ضمان عدم وقوعها تحت نفوذ الجماعات المسلحة أو القوى الإقليمية المنافسة.
لذلك، يتطلب المسار القادم دعمًا دوليًا لإتمام المرحلة الانتقالية، وصياغة دستور جديد، وإطلاق انتخابات ديمقراطية، مع ضمان التزام الحكومة السورية الجديدة بالمعايير الدولية، ما قد يمهد لرفع العقوبات الاقتصادية وتحقيق استقرار دائم في البلاد.