إيران في مواجهة الرياح المعاكسة: استعراض قوة يكشف مواطن الضعف

في خضم تصاعد التوترات الإقليمية، نظّم الحرس الثوري الإيراني مناورات عسكرية تحت عنوان “الرسول الأعظم 19” بين 6 و9 يناير، مستعرضًا مجموعة من أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ التي ادّعى تطويرها حديثًا. ومع ذلك، فإن تحليلًا أجرته صحيفة واشنطن بوست كشف عن عيوب أساسية في هذه الاستعراضات، مسلّطًا الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجه إيران على الصعيدين العسكري والاقتصادي.
استعراض القوة: استجابة للضغوط أم محاولة للتغطية؟
في كلمته الافتتاحية للمناورات، صرّح المتحدث باسم الحرس الثوري، علي محمد نائيني، بأن إيران “لم تتوقف يومًا عن إنتاج الصواريخ” وأن قدراتها الدفاعية “في تطور مستمر”. إلا أن تحليل الصحيفة الأميركية أشار إلى أن المعدات التي تم عرضها في المناورات لم تُظهر تحسينات نوعية تُذكر، بل بدت مشابهة لتلك التي استُخدمت في هجمات سابقة على إسرائيل، والتي فشلت في تحقيق أهدافها بشكل ملحوظ.
هذا التناقض بين التصريحات والواقع دفع محللين للتساؤل عن الهدف الحقيقي وراء هذه المناورات. وفي هذا السياق، وصف أستاذ الشؤون الأمنية في كلية الدراسات البحرية بكاليفورنيا، أفشون استوار، في حديثه لـواشنطن بوست: “إيران تحاول إظهار نفسها كقوة منيعة، لكن هذه المناورات كشفت عن نقاط ضعفها بدلًا من تعزيز صورتها.”
الضربات الإسرائيلية: استنزاف القوة الدفاعية لإيران
تعرضت البنية التحتية العسكرية الإيرانية لضربات موجعة، كان أبرزها الهجوم الإسرائيلي في أكتوبر الماضي، والذي استهدف مواقع دفاعية حساسة، بما في ذلك أنظمة إس-300 الصاروخية، ما ترك فجوات كبيرة في شبكة الدفاع الجوي الإيرانية.
كما كشفت واشنطن بوست عن أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة طالت أيضًا مركز أبحاث مرتبطًا بالبرنامج النووي الإيراني في منطقة بارجين. وأشار تقرير لموقع أكسيوس إلى أن هذه الضربات كانت جزءًا من حملة منهجية لإضعاف قدرات طهران الاستراتيجية.
الوضع الداخلي: أزمة اقتصادية وتآكل النفوذ الإقليمي
على الصعيد الداخلي، تعاني إيران من أزمة اقتصادية خانقة، إذ فقدت العملة الإيرانية 65% من قيمتها خلال العام الماضي، وشهدت البلاد نقصًا حادًا في الطاقة دفع إلى إغلاق مؤسسات حكومية وتعطيل المدارس.
من جهة أخرى، تتراجع قدرة طهران على دعم وكلائها الإقليميين؛ حيث يعاني حزب الله في لبنان من أزمة غير مسبوقة، فيما تقلّص نفوذها في سوريا والعراق مع فرض قيود جديدة على أنشطة الميليشيات المدعومة من إيران.
وصرّح مسؤول عراقي رفيع لصحيفة واشنطن بوست بأن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، طالب قوات الحشد الشعبي بالابتعاد عن الحدود السورية ووقف الهجمات على إسرائيل، لتجنب تعرّض العراق لضربات انتقامية.
التحديات الدولية: بين العقوبات والضغوط السياسية
مع اقتراب احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تزداد المخاوف داخل إيران من تشديد العقوبات الأميركية، خصوصًا على صادرات النفط. وذكرت تقارير أن صادرات النفط الإيرانية إلى الصين، الحليف الاقتصادي الأبرز لطهران، تشهد انخفاضًا حادًا، مما يفاقم الأزمة المالية.
وفي السياق نفسه، يرى مدير وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA)، ويليام بيرنز، أن إيران أصبحت في موقف استراتيجي أضعف بسبب إخفاقاتها العسكرية وانهيار وكلائها الإقليميين، مؤكدًا أن: “الصراعات الأخيرة كشفت عن محدودية قوة إيران الحقيقية.”
استراتيجية إيران في مأزق
وسط كل هذه التحديات، تحاول إيران الحفاظ على صورة القوة المنيعة، لكن الحقائق الميدانية تشير إلى عكس ذلك. المناورات الأخيرة أظهرت ثغرات دفاعية، بينما يهدد الضغط الاقتصادي والدبلوماسي بتقليص نفوذها الإقليمي.
ومع تصاعد الضغوط الدولية، يبقى السؤال: هل تستطيع إيران إعادة ترتيب أوراقها والرد بفاعلية، أم أن هذه التوترات ستقودها إلى مزيد من العزلة والانكماش؟