لبنان بين الحرب والدبلوماسية.. هل ينجح الرهان على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي؟

جوزيان رحمة – مديرة مكتب “اندبندنت عربية” في بيروت
بموقف موحد وغير مسبوق في المشهد اللبناني الحديث، صدر بيان رسمي عقب لقاء ثلاثي جمع في قصر بعبدا رئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، ورئيس البرلمان نبيه بري. وأكد البيان على “ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة، التزاما بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وفي مقدمتها القرار 1701″، مشددا على “التزام لبنان التام بهذا القرار دون أي استثناء.”
وفي سياق متصل، شدد الرئيس عون على أن “لبنان يواصل اتصالاته الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وفرنسا لاستكمال الانسحاب الإسرائيلي من المواقع التي لا تزال تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي”، مؤكداً أن الخيار اللبناني موحد في تبني الحل الدبلوماسي، لأن “لا أحد يريد الحرب، بل الدولة.”
دبلوماسية بديلة عن القوة العسكرية؟
يتضح أن الاستراتيجية اللبنانية لمواجهة إسرائيل أصبحت تعتمد بشكل رئيسي على الضغط الدبلوماسي، من خلال تحريك العواصم الكبرى لدفع تل أبيب إلى سحب ما تبقى من قواتها من المواقع اللبنانية المحتلة.
لكن، هل هذا الخيار واقعي في ظل التوترات الإقليمية والدولية؟
سلاح حزب الله.. واقع جديد؟
في تحليل لمجريات الحرب الأخيرة بين إسرائيل و”حزب الله”، يتضح أن السلاح الذي طالما تفاخر الحزب بأنه “الأقوى” في المنطقة، لم يمنع الجيش الإسرائيلي من دخول الجنوب واحتلال مواقع استراتيجية. بل، وفق التقارير العسكرية، فإن جزءاً كبيراً من ترسانة الحزب قد تم تدميره خلال الأشهر الأخيرة من القتال.
وبذلك، تبدو الدولة اللبنانية وكأنها تحاول تصحيح مسار فرضه الحزب بقرار منفرد، بدءاً من الدخول في الحرب لمساندة غزة، مروراً بالإصرار على الاستمرار فيها رغم الخسائر البشرية والمادية الهائلة.
رهان لبنان على الدبلوماسية.. هل ينجح؟
هناك عدة عوامل تعزز إمكانية نجاح الخيار الدبلوماسي اللبناني:
الدعم العربي والدولي:
رئيس الجمهورية جوزيف عون جاء إلى السلطة بدعم عربي ودولي واضح، ما يعني أن المجتمع الدولي لن يسمح بإفشال هذا العهد عبر استمرار الاحتلال الإسرائيلي.
تأييد نبيه بري للدبلوماسية:
رئيس مجلس النواب نبيه بري، الحليف التاريخي لـ”حزب الله”، شارك في الاجتماعات الثلاثية بقصر بعبدا، مما يؤكد أن الخيار الدبلوماسي أصبح المسار الأساسي، بدلاً من التصعيد العسكري.
الضغط الفرنسي والدولي:
فرنسا والولايات المتحدة تضغطان بقوة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، حيث أكد بيان للخارجية الفرنسية ضرورة “الانسحاب الفوري والكامل للقوات الإسرائيلية وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار”.
تحولات داخلية إيجابية:
لبنان بدأ خطوات تعزز منطق الدولة، مثل نشر الجيش في الجنوب، ووقف وصول المساعدات المالية إلى “حزب الله” عبر المطار، ومحاسبة المعتدين على قوات “يونيفيل”.
تحولات كبرى.. وضغط على حزب الله
يأتي هذا التوجه اللبناني وسط متغيرات إقليمية كبرى، أبرزها سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، مما أدى إلى فك ارتباط لبنان تدريجياً بالمحور الإيراني.
وفي خطوة غير مسبوقة، رفضت السلطات اللبنانية السماح لطائرة إيرانية بالهبوط في بيروت بعد تهديدات إسرائيلية، وأوقفت جميع الرحلات القادمة من طهران إلى أجل غير مسمى.
خيارات حزب الله.. أحلاها مر
أمام هذا الواقع الجديد، يجد “حزب الله” نفسه أمام خيارات صعبة:
الانتظار وترقب نتائج المسار الدبلوماسي، رغم استمرار الضربات الإسرائيلية على مواقعه.
التوجه تدريجياً نحو سحب سلاحه وتسليمه للدولة اللبنانية، إذا حصل على ضمانات داخلية بعدم استهدافه ككيان سياسي.
اللجوء إلى الخيار العسكري، ومحاولة طرد ما تبقى من القوات الإسرائيلية بالقوة، وهو خيار محفوف بالمخاطر، لأنه قد يؤدي إلى ضربة إسرائيلية كبرى قد تهدد وجوده.
إلى أين يتجه لبنان؟
في ظل هذه التطورات، يبدو أن لبنان يسير نحو مرحلة جديدة، حيث تتراجع سلطة “السلاح” لصالح سلطة الدولة والدبلوماسية. لكن نجاح هذا التوجه يعتمد على مدى قدرة القيادة اللبنانية على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة داخليا، ومدى تجاوب المجتمع الدولي مع مطالب لبنان.