تحولات الشرق الأوسط.. هل يتجه”صانع الصفقات” إلى لبنان؟

في مشهد حافل بالرمزية والتحدي، احتشد الآلاف من أنصار حزب الله في ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية في بيروت، لتشييع زعيمهم حسن نصرالله، الذي لقي حتفه في غارة جوية إسرائيلية في سبتمبر (أيلول).
وبينما كان الحشد يودّع نصرالله، اخترقت أربع طائرات مقاتلة إسرائيلية سماء الملعب في تحليق جوي استعراضي، يحمل رسالة واضحة لا لبس فيها. وكما يوضح ياكوف كاتز، الباحث في معهد سياسة الشعب اليهودي، فإن الرسالة كانت أن إسرائيل لن تتردد في استهداف قادة حزب الله الآخرين إذا دعت الحاجة.
استعراض جوي يحمل تهديداً واضحاً
تألف التشكيل الجوي الإسرائيلي من مقاتلتين من الجيل الخامس من طراز إف-35، والمعروفتين في إسرائيل باسم “أدير” (القوة)، إلى جانب مقاتلتين من طراز إف-15 بعيدة المدى، المعروفتين باسم “ثاندر” (الرعد).
وبحسب الجيش الإسرائيلي، فإن هذا الاستعراض الجوي كان بمثابة “رعد قوي” سُمع صداه في أنحاء الشرق الأوسط، ليؤكد أن تل أبيب لم تعد تخشى استعراض قوتها في قلب لبنان.
قبل اندلاع الحرب الأخيرة، كان من غير المتصور أن تقوم إسرائيل بتحليق طائراتها فوق تجمع لحزب الله بهذا الشكل العلني، حيث كان الخوف من تصعيد كبير يمنع مثل هذه الخطوات. لكن اليوم، كما يقول كاتز في مقاله بمجلة نيوزويك، فإن الواقع الإقليمي قد تغير جذرياً بعد الهجوم الذي نفذته حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وقرار حزب الله بالانضمام إلى المعركة ضد إسرائيل.
تراجع حزب الله وضعف النفوذ الإيراني
تشهد المنطقة الآن وقف إطلاق نار هش بين إسرائيل وحزب الله، في وقت يُمنع فيه الحزب من التواجد في جنوب لبنان، بعدما دُمرت بنيته التحتية بشكل واسع، وتم القضاء على جزء كبير من قيادته.
وفي غزة، لم تسقط حماس، لكنها باتت “ظلاً لما كانت عليه قبل 6 أكتوبر”. وفي سوريا، سقط نظام بشار الأسد، وأصبحت إيران، الداعم الرئيسي لحزب الله، في موقف ضعيف أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد فقدانها لوكلائها في المنطقة، بالإضافة إلى الضربات الإسرائيلية التي دمرت أنظمة الدفاع الجوي الروسية التي تعتمد عليها.
هذا التراجع لحزب الله يمثل فرصة غير مسبوقة للغرب، وفقاً للكاتب، حيث باتت القيادة الجديدة في لبنان تبدو مستعدة لمواجهة نفوذ الحزب ومنع إعادة تسلحه.
تغيرات في الداخل اللبناني
وفقاً للمصادر، فإن الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام يبديان رغبة في تقليص النفوذ الإيراني داخل لبنان. واتخذت الحكومة الجديدة خطوات جريئة، مثل حظر الرحلات الجوية القادمة من إيران، بعد أن هددت إسرائيل بإسقاط أي طائرة يُشتبه في أنها تحمل أسلحة إلى الحزب.
على الصعيد الشعبي، بدأت الانتقادات لحزب الله تتزايد، حتى في وسائل الإعلام اللبنانية التي كانت تخشى سابقاً التشكيك في سردية الحزب كـ”حامي لبنان”. وبرزت أصوات على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو إلى تفكيك حزب الله، بل وحتى التطبيع مع إسرائيل، وهو أمر كان يبدو مستحيلاً قبل أشهر.
هل يقود النفوذ الأمريكي إلى تطبيع لبناني؟
يرى الكاتب أن الولايات المتحدة وأوروبا لديهما فرصة لدفع لبنان نحو الاستقلال عن حزب الله، لكن هذا الأمر لن يتم دون دعم دبلوماسي من إسرائيل ولبنان نفسه.
وفي هذا السياق، يسعى الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، التي تقدم مساعدات عسكرية كبيرة للجيش اللبناني، تشمل إمدادات أسلحة وبرامج تدريب. وبصفته قائداً عسكرياً سابقاً، يدرك عون أن دعم الجيش بالأسلحة والتدريب الحديث ضروري ليكون قادراً على مواجهة حزب الله مستقبلاً.
لكن رغم هذه الجهود، فإن استمرار التوتر في غزة والتخوف من تجدد الصراع يُعقّد المشهد، ويجعل التقدم بطيئاً. وكما تنتظر السعودية انتهاء الحرب في غزة قبل استئناف محادثاتها مع إسرائيل، فإن الوضع في لبنان لن يتغير جذرياً إلا بعد حسم التطورات الإقليمية الأوسع.
دور ترامب المحتمل في إعادة تشكيل الشرق الأوسط
يعتقد الكاتب أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يمتلك فرصة لاغتنام هذه اللحظة وتحقيق إنجاز دبلوماسي كبير، حيث يسعى إلى تعزيز صورته كـ”صانع صفقات”، وسط واحدة من أكثر الفترات تحولاً في الشرق الأوسط.
الكرة في ملعب الشعب اللبناني
في نهاية المطاف، يرى الكاتب أن العامل الحاسم في تغيير مستقبل لبنان هو الشعب اللبناني نفسه، الذي يجب أن يواصل الضغط على حزب الله لمنعه من إعادة التسلح.
لطالما قدّم حزب الله نفسه كحامي لبنان، لكن بعد سنوات من الأزمات المالية المدمرة، وحرب أخرى أنهكت البلاد، بدأ اللبنانيون يشككون في هذه السردية.
لبنان عند مفترق طرق
يختم الكاتب مقاله قائلاً: “لبنان يقف أمام فرصة تاريخية. إذا اغتنم قادته وشعبه هذه اللحظة، فبإمكانهم التحرر من عقود من الحروب. لكن ذلك يتطلب قرارات استراتيجية من الغرب لدعم هذا التحول”.