Podcast Icon
سياسة
أخر الأخبار

إقالة دانيال هغاري.. كواليس الصراع العسكري – السياسي في إسرائيل

في خطوة تعكس التوترات العميقة بين المؤسسة العسكرية والقيادة السياسية في إسرائيل، قرر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد، إيال زامير، إقالة الناطق الرسمي باسم الجيش دانيال هغاري، وعدم ترقيته إلى منصب نائب أميرال، بالإضافة إلى رفض تعيينه ملحقًا عسكريًا في الولايات المتحدة.

جاء هذا القرار بعد توبيخ رسمي وجهه رئيس الأركان المستقيل، هرتسي هاليفي، لهغاري، متهمًا إياه بتجاوز صلاحياته، فضلًا عن الضغوط السياسية المتزايدة من اليمين الإسرائيلي.

خلفيات القرار وأسبابه

تعود جذور هذا القرار إلى صراع داخلي طويل بين هغاري والجهاز السياسي الإسرائيلي، لا سيما مع وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي قاد حملة لمنع ترقيته في أكثر من مناسبة.

ورغم إشادة زامير بكفاءة هغاري وخبرته القتالية، إلا أن قرار إقالته يعكس مدى الهوة بين المستويين العسكري والسياسي في إسرائيل، خاصة مع تزايد الضغوط اليمينية على الحكومة لإقصاء الشخصيات التي يُنظر إليها على أنها تتجاوز الخطوط الحمراء السياسية.

ومن أبرز الأسباب التي أدت إلى الإطاحة بهغاري موقفه الصريح تجاه مشروع قانون مدعوم من الائتلاف الحكومي، يمنح الحصانة لمن يدلي بمعلومات سرية لرئيس الوزراء الإسرائيلي.

في تصريحاته، انتقد هغاري هذا القانون بشدة، محذرًا من تداعياته على أمن الجيش الإسرائيلي والجنود، بل وذهب إلى أبعد من ذلك حين قال إن مثل هذا التشريع قد يسمح “لأي شخصية منخفضة المستوى بسرقة وثائق عسكرية حساسة”.

هذه التصريحات وضعت هغاري في مواجهة مباشرة مع القيادة السياسية، وأدت إلى تلقيه توبيخًا رسميًا من رئيس الأركان المستقيل هرتسي هاليفي، الذي اتهمه بتجاوز صلاحياته العسكرية.

وعلى الرغم من أن هاليفي أقر لاحقًا بأن تصرف هغاري كان “خارج نطاق سلطته”، إلا أن هذه الواقعة عززت العداء ضده في الأوساط اليمينية.

الضغط السياسي وقرار الإقالة

لم يكن الخلاف بين هغاري والمستوى السياسي مجرد خلاف عابر، بل تحول إلى معركة بين الجيش والسياسيين، خاصة مع تصعيد سياسيين وناشطين يمينيين حملتهم لإحباط أي محاولة لترقيته.

هذا الضغط السياسي لم يترك أمام رئيس الأركان الجديد، إيال زامير، خيارات كثيرة سوى اتخاذ قرار الإقالة، في خطوة فسّرها المراقبون على أنها تنازل أمام النفوذ السياسي المتزايد داخل المؤسسة العسكرية.

من جانبها، كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن زامير يفضل ترقية الضباط الذين شاركوا في القتال في غزة، ما يعني أن هغاري لم يكن ضمن أولوياته.

كما أكدت الصحيفة أن هغاري كان مرشحًا في البداية لقيادة البحرية الإسرائيلية، إلا أن قرار زامير وضع حدًا لمسيرته العسكرية، ومن المتوقع أن يغادر الجيش الإسرائيلي نهائيًا خلال الأسابيع المقبلة.

المتحدث العسكري المثير للجدل:

طوال مسيرته العسكرية، لعب هغاري دورًا بارزًا في الإعلام العسكري الإسرائيلي، حيث عمل كواجهة إعلامية للجيش خلال العمليات العسكرية في غزة، وكان مسؤولًا عن الإعلان عن مقتل رهائن إسرائيليين بنيران الجيش الإسرائيلي في ديسمبر 2023.

ورغم خبرته القتالية وشغله لمنصب قائد وحدة الكوماندوز البحرية لقوات النخبة، إلا أن صراحته الإعلامية كانت دائمًا مثار جدل.

بين الأوساط الإسرائيلية، اشتهر هغاري بأنه “المتحدث العسكري الصريح والمثير للجدل”، حيث لم يتردد في انتقاد قرارات القيادة السياسية علنًا، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية الحساسة.

أما في الأوساط العربية، فقد ارتبط اسمه بتبرير قصف مستشفى الشفاء في غزة وإخراجه عن الخدمة، حيث زعم أن المستشفى كان يستخدم كمقر عمليات لحركة حماس.

كما عرض في مؤتمراته الصحفية ما قال إنها “وثائق وأسلحة” تُثبت استخدام مستشفيات القطاع لأغراض عسكرية، لكن لاحقًا تم التشكيك في صحة هذه الوثائق، ما عرضه لموجة من السخرية والانتقادات.

صراع أوسع داخل المؤسسة العسكرية

تعكس إقالة هغاري صراعًا أعمق داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، حيث تتزايد الضغوط السياسية على الجيش ليكون أكثر انسجامًا مع سياسات الحكومة اليمينية.

فمع تصاعد نفوذ التيار اليميني داخل الحكومة، أصبح هناك توجه لإقصاء الشخصيات العسكرية التي تعبر عن مواقف لا تتماشى مع الأجندة السياسية.

وفي هذا السياق، يبدو أن قرار إقالة هغاري ليس مجرد إبعاد لشخصية عسكرية مثيرة للجدل، بل هو جزء من إعادة هيكلة أوسع داخل الجيش، تهدف إلى تعزيز الولاء للقيادة السياسية وتقليل مساحة الاستقلال العسكري في القضايا الحساسة.

ويبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه الخطوة بداية لمزيد من التدخل السياسي في الشؤون العسكرية، أم أنها مجرد حالة فردية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى