Podcast Icon
سياسة
أخر الأخبار

سوريا الجديدة وروسيا.. تقليص نفوذ دون تصعيد

بعد سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر 2024، شهدت دمشق تدفقًا غير مسبوق للدبلوماسيين من أنحاء العالم.

ولكن من بين هذه الزيارات، كانت زيارة الوفد الروسي أكثر إثارة للانتباه، إذ فاجأت الجميع عودة المسؤولين الروس إلى العاصمة بسرعة بعد أسابيع قليلة من الإطاحة بحليفهم، بشار الأسد.

الزيارة أثارت ردود فعل متباينة، حيث انتقدها العديد من السوريين والمسؤولين الغربيين بسبب الدور الروسي في الحرب السورية وعملياتها العسكرية المستمرة في أوكرانيا.

ومع ذلك، اختارت الحكومة السورية الجديدة إبقاء قنواتها الدبلوماسية مفتوحة مع موسكو، لا سيما وأن روسيا تملك حق النقض في مجلس الأمن الدولي، وهو ما يجعلها حليفًا رئيسيًا لهيئة تحرير الشام، التي تسعى لإزالة اسمها من قائمة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة.

زيارة مفاجئة:

في 28 يناير الماضي، وصل إلى دمشق وفد روسي رفيع المستوى، بقيادة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف والمبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرينتييف.

والتقى الوفد الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع ووزير خارجيته. وبعد اللقاءات، وصف المسؤولون الروس المحادثات بأنها كانت “صريحة وبناءة”، مؤكدين أن تغيير القيادة في سوريا لن يؤثر على العلاقات الثنائية أو المنشآت العسكرية الروسية في البلاد.

وفقًا لمصادر سورية، أعرب الوفد الروسي عن رغبته في إعادة بناء العلاقات بين البلدين، بما في ذلك إعادة فتح السفارة الروسية في دمشق.

كما طلب الوفد ضمانات لاستمرار السيطرة الروسية على قاعدتي طرطوس وحميميم، وهما من أبرز مواقع النفوذ العسكري الروسي في سوريا.

غضب ومخاوف:

رغم الضغط الذي مارسه الشرع، أثارت الزيارة استياءً واسعًا بين السوريين الذين لا يزالون يعتبرون روسيا العامل الرئيس الذي مكن الأسد من الاستمرار في الحكم من خلال دعمها العسكري والجوي.

كما أن التدخل العسكري الروسي في سوريا أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 24 ألف مدني.

وفي نفس الوقت، قوبلت الزيارة برفض غربي هادئ لكنه قوي، حيث بدأ الدبلوماسيون الغربيون في التواصل مع الحكومة المؤقتة بقيادة “هيئة تحرير الشام”.

في الاجتماعات الخاصة، عبّر المسؤولون الغربيون عن استيائهم، وطالبوا بإخراج القوات الروسية من سوريا، واعتبروا ذلك شرطًا أساسيًا لرفع العقوبات.

مناورة الإدارة السياسية الجديدة:

من جانبها، تسعى الإدارة السياسية الجديدة إلى تقليص النفوذ الروسي في سوريا دون التصعيد المباشر.

تجسد هذا التوازن في قرار الحكومة المؤقتة بإنهاء عقد تشغيل ميناء طرطوس التجاري المبرم مع شركة روسية.

هذه الخطوة، التي تم اتخاذها قبل وصول الوفد الروسي إلى دمشق، اعتُبرت ضربة لمصالح موسكو. ولكن بدلاً من إلغاء العقد لأسباب سياسية، استخدمت الحكومة المؤقتة ثغرة قانونية تتعلق بعدم التزام الشركة الروسية بشروط العقد، بما في ذلك استثمارات البنية التحتية.

في الوقت نفسه، عبر الشرع عن استعداده لاستقبال الوفد الروسي، لكن من دون تقديم تنازلات كبيرة لروسيا.

ووفقًا للتقارير، قللت موسكو من أهمية إنهاء العقد، معتبرة أنه تم التوقيع عليه مع شركة روسية خاصة وليس مع الحكومة الروسية، مما يعكس سياسة “هيئة تحرير الشام” في تقليص النفوذ الروسي دون إحداث صدام مباشر.

مقاومة موسكو:

على الرغم من هذه المناورات المدروسة، من غير المرجح أن تستجيب موسكو لمطالب الشرع بشأن تسليم الأسد أو دفع تعويضات عن العمليات العسكرية في سوريا.

وبحسب مصادر روسية، فإن الكرملين لن يوافق على تسليم الأسد، حيث إن ذلك قد يضر بسمعته الدولية، كما أن موسكو غير مستعدة لتحمل تكاليف إعادة إعمار سوريا.

إعادة التفاوض:

من المتوقع أن تواصل الحكومة المؤقتة مراجعة العقود الاستثمارية التي تم توقيعها مع الشركات الروسية، خاصة في قطاعي التعدين والطاقة، بحثًا عن ثغرات قانونية تبرر إلغاء هذه العقود.

وإذا تبين أنه من غير الممكن إلغاء هذه العقود، فقد تتجه الحكومة إلى إعادة التفاوض على شروط الاتفاقات بما يخدم مصالح سوريا.

أما فيما يتعلق بالقواعد العسكرية الروسية، تشير المصادر إلى أن الشرع قد يسعى أيضًا إلى إعادة التفاوض بشأن شروط وجود القوات الروسية في سوريا، مثل استخدام الأراضي والمنشآت العسكرية، وحجم المعدات العسكرية المتمركزة، وشروط التفتيش والوصول إلى القواعد.

موازنة دقيقة:

في نهاية المطاف، قد يُجبر الشرع على اتخاذ قرار حاسم بشأن العلاقات مع روسيا. بينما يسعى لتقليص النفوذ الروسي في سوريا، سيحتاج إلى الحفاظ على توازن دقيق بين متطلبات الداخل السوري وضغوط القوى الدولية.

في هذا السياق، يظل مصير هذه السياسة غير واضح، لكن من المؤكد أن الحكومة المؤقتة ستواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على هذا النهج الحذر في ظل الضغوط المتزايدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى