
تواصل ليبيا دورانها في “الحلقة المفرغة” للأزمة السياسية منذ إسقاط نظام معمر القذافي عام 2011، وسط تعثر مستمر للمسارات التفاوضية.
واليوم، تحاول الأمم المتحدة إعادة إحياء العملية السياسية بمبادرة جديدة تهدف إلى كسر الجمود، في وقت يسير فيه مجلس النواب و”المجلس الأعلى للدولة” في مسار موازٍ يسعى لتشكيل حكومة موحدة تقود البلاد إلى الانتخابات المؤجلة.
ولكن، هل يملك أي من هذين المسارين فرصة حقيقية للنجاح، أم أن ليبيا عالقة في إعادة إنتاج الفشل السياسي؟
أمل محفوف بالمخاطر:
ضمن هذه الجهود، اجتمعت في العاصمة طرابلس لجنة استشارية مكونة من 20 شخصية ليبية، شكلتها البعثة الأممية بهدف تقديم مقترحات لمعالجة الخلافات الجوهرية في القوانين الانتخابية.
المبادرة، التي أطلقتها القائمة بأعمال المبعوث الأممي ستيفاني خوري في ديسمبر 2024، أثارت ردود فعل متباينة؛ ففي حين وصفتها البعثة بأنها “مثمرة”، فإن الشكوك لا تزال تحيط بفعاليتها، خاصة مع سجل المحاولات السابقة التي انتهت إلى الفشل، مثل “ملتقى الحوار السياسي الليبي” بين 2020 و2021، والذي لم يسفر سوى عن حكومة مؤقتة لم تتمكن من قيادة البلاد إلى انتخابات حقيقية.
الانقسام السياسي: معسكران متنازعان
بينما تعمل اللجنة الاستشارية، تتجلى حالة الانقسام السياسي العميق بين حكومتين متنافستين: حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، التي ترفض الاعتراف بأي مبادرات من شأنها إضعاف قبضتها على السلطة، وحكومة أسامة حماد المكلفة من البرلمان، والتي تسيطر على الشرق وأجزاء من الجنوب.
هذا الانقسام يجعل من الصعب بناء توافق حقيقي حول العملية الانتخابية، خصوصاً في ظل استمرار الخلاف حول قضايا مثل ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية للرئاسة.
التشكيك في النوايا الدولية
منذ 14 عامًا، أخفقت البعثات الأممية المتعاقبة في إيجاد حلول جذرية للأزمة الليبية، مما عزز الشكوك حول دورها.
ويرى معارضو المسار الأممي أن الأمم المتحدة لا تفعل سوى إدارة الأزمة بدلاً من حلها، فيما يتهمها البعض بتنفيذ أجندات قوى دولية متنافسة على النفوذ في ليبيا.
في المقابل، تدافع البعثة عن نفسها بالتأكيد على أنها تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وأن هدفها هو التوصل إلى توافقات محلية تقود إلى انتخابات شفافة.
الحل الدستوري الغائب
من بين الأسئلة الأكثر إلحاحاً في المشهد الليبي: لماذا لم يتم الاستفتاء على مشروع الدستور الذي أقر قبل سبع سنوات؟ يرى بعض المراقبين أن التمسك بحلول سياسية غير واضحة المعالم يضيع وقتاً ثميناً كان يمكن استغلاله في تمرير الدستور، ما قد يفتح الطريق أمام انتخابات شرعية بدلاً من إعادة تدوير الحكومات المؤقتة.
صراع بين الداخل والخارج
لا تقتصر العقبات على الانقسامات الداخلية، بل تمتد إلى تعدد المسارات التفاوضية. فبينما تعمل اللجنة الاستشارية الأممية، يتحرك مجلس النواب و”المجلس الأعلى للدولة” نحو تشكيل حكومة جديدة.
ويرى بعض المحللين أن هذين المسارين قد يؤديان إلى تحريك الجمود السياسي، إلا أن ذلك يبقى مشروطاً بقدرة الأطراف المختلفة على تقديم تنازلات حقيقية، وهو ما يبدو مستبعدًا حتى الآن.
بين التوافق والعقوبات
مع استمرار التعثر السياسي، لا تستبعد مصادر مقربة من الأمم المتحدة أن تلجأ القوى الدولية إلى فرض عقوبات على “المعرقلين”، كما حدث سابقاً مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المؤتمر الوطني العام السابق نوري أبو سهمين.
ورغم دعم واشنطن والاتحاد الأوروبي للمسار الأممي، فإن المحللين الغربيين يشددون على أن أي اتفاق ليبي يحتاج إلى توافق إقليمي ودولي قوي، وإلا فإنه سيظل حبرًا على ورق.
المستقبل المجهول:
في ظل هذا المشهد المعقد، يبقى التساؤل قائماً: هل ستنجح الأمم المتحدة أخيرًا في فرض تسوية سياسية، أم أن ليبيا ستبقى رهينة لصراعات داخلية وخارجية تعرقل كل محاولات الحل؟ حتى الآن، يبدو أن الأزمة الليبية لا تزال تبحث عن مخرج، لكن الأبواب لا تزال موصدة أمام أي حل سريع وحاسم.