
في خطوة قد تعيد رسم المشهد السوري، توصلت الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى اتفاق يقضي بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية تحت مظلة الدولة السورية.
لكن رغم التفاؤل المحيط به، يبقى التنفيذ محفوفًا بالتحديات السياسية والعسكرية.
تفاصيل الاتفاق.. دمج تدريجي أم تقاسم نفوذ؟
وقّع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات قسد مظلوم عبدي اتفاقًا يتضمن إعادة دمج مؤسسات الإدارة الذاتية ضمن الدولة السورية، مع ضمان الحقوق السياسية والقومية للمجتمع الكردي. كما ينص الاتفاق على:
- دمج قسد في الجيش السوري ضمن خطة إعادة هيكلة تدريجية.
- انسحاب المقاتلين الأجانب فورًا بعد تثبيت وقف إطلاق النار.
- إدارة مشتركة للموارد الطبيعية، خاصة النفط والغاز.
- عودة المؤسسات الحكومية إلى شمال شرق سوريا وتسليم المعابر الحدودية.
ورغم أن بعض البنود ستدخل حيز التنفيذ فورًا، مثل استعادة الحكومة السيطرة على المعابر، فإن قضايا حساسة كدمج القوات وتوزيع الموارد تحتاج إلى لجان متخصصة لضمان التنفيذ السلس.
تحديات التنفيذ.. تركيا والأزمة الداخلية
الاتفاق يُعد ضرورة استراتيجية لكل من دمشق وقسد، لكنه يواجه عقبات كبيرة، أبرزها:
- الرفض الداخلي داخل قسد: لا تزال هناك تيارات داخل قوات سوريا الديمقراطية تعارض الاندماج الكامل مع الجيش السوري، خاصة في ظل انعدام الثقة المتراكمة بين الطرفين.
- الموقف التركي المتشدد: تعتبر تركيا قسد امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، وتصنفها كمنظمة إرهابية. أي تصعيد عسكري تركي ضد المناطق الكردية قد يضع دمشق أمام خيار صعب: الالتزام بالاتفاق أو تجنب مواجهة مباشرة مع أنقرة.
- التدخلات الخارجية: الولايات المتحدة، التي دعمت قسد لسنوات، تراقب التطورات عن كثب. وبينما يبدو أن واشنطن سمحت بهذا التقارب، فإن أي تغير في مواقفها قد يعرقل التنفيذ.
- معضلة الثقة بين الطرفين: إعادة بناء الثقة تتطلب إزالة الحواجز الأمنية وعودة النازحين، وهي خطوات تحتاج لضمانات فعلية من دمشق.
قراءة كردية للاتفاق:
يرى شيرزاد اليزيدي، الباحث السياسي الكردي لـ”سكاي نيوز عربية”، أن الاتفاق يشكل خطوة نحو تصحيح المسار السياسي في دمشق، إذ يتضمن لأول مرة اعترافًا رسميًا بالمجتمع الكردي كمكون أساسي في البلاد، مع حقوق ثقافية وسياسية واضحة.
لكن اليزيدي حذر من هشاشة الاتفاق، معتبرًا أنه “مرهون بإرادة دمشق لاحترام التعددية وتقاسم السلطة”. كما رفض فكرة أن واشنطن تخلت عن الأكراد، مشيرًا إلى أن “الولايات المتحدة كانت طرفًا غير معلن في الاتفاق، وضغطت لضمان حقوق قسد ضمن الدولة السورية”.
ماذا بعد؟
يمثل الاتفاق بارقة أمل لوحدة سوريا، لكنه مرهون بالتنفيذ الفعلي. فدمشق بحاجة إلى إظهار جدية في استيعاب مطالب الأكراد، وقسد مطالبة بقبول اندماجها ضمن المؤسسات الرسمية.
كما أن التحديات الاقتصادية قد تجعل الاتفاق فرصة لإعادة تنشيط الاقتصاد السوري عبر استثمار ثروات الشمال الشرقي بطريقة أكثر عدالة.
ومع تصاعد الضغوط الإقليمية، سيكون على الحكومة السورية تحقيق توازن دقيق بين تحسين علاقاتها مع الأكراد وتجنب تصعيد محتمل مع تركيا.
وفي نهاية المطاف، كما قال المحلل السياسي شاهر الشاهر: “الاتفاق خطوة أولى نحو حل سياسي شامل، لكنه لن ينجح دون ضمانات واضحة للطرفين”.
أما اليزيدي فأنهى حديثه بتفاؤل مشوب بالحذر: “نحن أمام لحظة تاريخية.. إما أن تُستثمر في بناء دولة ديمقراطية، أو تضيع كفرصة أخرى وسط الصراع السوري المستمر”.