Podcast Icon
سياسة
أخر الأخبار

إعادة إعمار سوريا وتعزيز التقارب بين تركيا والسعودية

واشنطن – المجلس الأطلنطي

منذ أن أنهت تركيا فترة التوتر الحاد مع العديد من دول الخليج في عام 2021، شهدت أنقرة تحسنًا ملحوظًا في علاقاتها الإقليمية، ولا سيما مع السعودية.

فقد وضعت أنقرة والرياض خلافاتهما السابقة جانبًا، وعمقتا علاقاتهما الاستراتيجية.

اليوم، تفتح إعادة إعمار سوريا بعد رحيل نظام الأسد المجال أمام تعزيز التعاون التركي-السعودي.

فقد قام أحمد الشرع، القائد الجديد لسوريا، بأول زيارتين رسميتين إلى السعودية وتركيا، في إشارة واضحة إلى الدور المحوري الذي يُتوقع أن تلعبه الدولتان في مستقبل سوريا الجديد.

يسعى الشرع إلى إظهار نوايا القيادة السورية الجديدة في الابتعاد عن النفوذ الإيراني، وجذب الاستثمارات المالية السعودية التي تحتاجها سوريا بشدة.

الدور التركي في سوريا بعد الأسد

بعد سقوط نظام الأسد، أصبحت تركيا صاحبة النفوذ الأكبر في سوريا، حيث توقع العديد من المحللين أن تلعب دورًا رئيسيًا في مستقبل البلاد.

ومع ذلك، لم تستغل أنقرة هذا النفوذ لتعزيز مصالحها فقط، بل سعت إلى اتباع دبلوماسية شاملة مع دول الخليج، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.

ويعكس تصريح وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في ديسمبر الماضي هذه السياسة، حيث قال: لا نريد الهيمنة الإيرانية في المنطقة، ولا التركية أو العربية.”

ويرى المجلس الأطلسي أن تركيا يمكنها تحقيق أهدافها في بناء سوريا مزدهرة ومستقرة ما بعد الحرب من خلال التعاون مع دول الخليج، لا سيما السعودية. فهذا التعاون سيعزز شرعية الدور التركي في سوريا، ويوفر التمويل اللازم لإعادة الإعمار.

المخاوف من الإسلام السياسي في سوريا

خلال الربيع العربي، اختلفت وجهات النظر بين تركيا والسعودية حول الإسلام السياسي، حيث دعمت أنقرة معظم الانتفاضات الشعبية، بينما رأت الرياض أنها تهديد للاستقرار الإقليمي.

ومع ذلك، دعمت السعودية الثورة السورية لمعارضتها لنظام بشار الأسد وسعيها لمواجهة النفوذ الإيراني.

وعلى عكس تركيا، دعمت الرياض فصائل الجيش السوري الحر التي لا تنتمي للإخوان المسلمين أو القاعدة، كما فضّلت الشخصيات السياسية ذات التوجهات الوطنية والعلمانية.

ولا تزال القيادات الخليجية قلقة من الخلفية الجهادية لبعض عناصر القيادة السورية الجديدة، وإمكانية عودة الإسلام السياسي بقوة إلى المنطقة.

لذلك، وبعد سقوط الأسد، بادرت تركيا إلى دعوة دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، للاستثمار المشترك في مستقبل سوريا، حيث عقد وزير الخارجية التركي عدة اجتماعات مع نظرائه الخليجيين لتعزيز هذا التعاون.

وكانت السعودية من أوائل الدول الخليجية التي أقامت علاقات رسمية مع سوريا الجديدة، إلى جانب دعوتها – مثل تركيا – المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات عن دمشق.

إعادة التوازن الإقليمي

ضمن رؤية السعودية 2030، تسعى الرياض إلى تنويع مصادرها الدفاعية وتعزيز صناعتها العسكرية المحلية.

ومنذ تطبيع العلاقات التركية-السعودية في 2021، شهد التعاون الدفاعي بين البلدين تطورًا كبيرًا، حيث وافقت السعودية على نقل التكنولوجيا العسكرية التركية، ومنحت الفرصة لشركاتها للمشاركة في الإنتاج المحلي.

وفي ظل العقوبات المفروضة على أنقرة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، أصبحت تركيا واحدة من أبرز الدول المصدّرة للسلاح عالميًا، حيث ارتفعت حصتها في سوق السلاح الدولي بنسبة 106% بين 2014-2018 و2019-2023.

ونتيجة لذلك، زادت صادرات أنقرة العسكرية لدول الخليج، وخاصة الطائرات المسيّرة القتالية.

وبهدف تقليل اعتمادها على الغرب، أبرمت السعودية اتفاقيات مع تركيا لإنتاج وتوريد معدات دفاعية، مثل مشروع إنتاج الطائرة المسيّرة “بيرقدار أقنجي” بالشراكة مع شركة “بايكار” التركية.

ويساعد هذا التعاون الرياض على تطوير قدراتها الدفاعية المحلية، ومواجهة النفوذ الإيراني، وتقليل اعتمادها على الصين كمورد رئيسي للأسلحة.

صفقات دفاعية ضخمة قيد التفاوض

تسعى تركيا حاليًا لإبرام صفقة دفاعية بقيمة 6  مليارات دولار مع السعودية، تشمل بيع سفن حربية ودبابات وصواريخ.

كما تجري مناقشات حول إمكانية شراء الرياض لمقاتلات TF KAAN التركية، حيث أبدت السعودية اهتمامًا بشراء 100 طائرة من هذا الطراز لتعويض تأخر حصولها على مقاتلات F-35 الأمريكية.

وباعتبارهما الدولتين الوحيدتين في مجموعة العشرين (G20) في الشرق الأوسط، تلعب تركيا والسعودية دورًا رئيسيًا في استقرار المنطقة، خاصة في ظل اهتمامهما المشترك بإعادة إعمار سوريا ومنع إيران من استعادة نفوذها في دمشق وبيروت وبغداد.

التعاون التركي-السعودي والشرق الأوسط

يرى المجلس الأطلنطي أن واشنطن، إذا أرادت الحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط رغم تراجع أولوياتها الإقليمية، فعليها دعم تحالفات بين “القوى المتوسطة” مثل تركيا والسعودية لتعزيز الاستقرار ومواجهة النفوذ الإيراني والصيني.

وفي ظل التطورات الأخيرة، يشير بعض المحللين إلى إمكانية تشكيل محور جديد في المنطقة يضم دول الخليج بقيادة السعودية، وربما إسرائيل، لموازنة إيران. ورغم تعثر هذا السيناريو بسبب حرب غزة الأخيرة، فإن التقارب التركي-السعودي يشكل خطوة قوية نحو تحقيق توازن إقليمي جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى