تحركات دولية وإقليمية مكثفة لإنهاء الحرب في السودان: مبادرات متقاطعة وفرص متباينة

تشهد الساحة السودانية تحركات مكثفة من أطراف دولية وإقليمية ومحلية بهدف وضع حد للتدهور المستمر جراء الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023. تتنوع هذه التحركات بين مبادرات سياسية ومؤتمرات دولية واتصالات إقليمية تسعى جميعها إلى وقف إطلاق النار وتهيئة الأجواء لاستعادة الاستقرار.
مبادرة حمدوك: رؤية مدنية لحل الأزمة
قدم رئيس الوزراء السوداني السابق ورئيس التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود”، عبد الله حمدوك، مبادرة من سبع نقاط تهدف إلى وضع إطار سياسي شامل ينهي الحرب ويمهد الطريق لعملية انتقالية تقودها سلطة مدنية ذات صلاحيات كاملة.
وتتضمن خارطة الطريق التي أعلنها حمدوك يوم الثلاثاء:
عقد اجتماع مشترك بين مجلس السلم والأمن الإفريقي ومجلس الأمن الدولي، بحضور قائدي الجيش والدعم السريع، إلى جانب حركتي عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور.
وقف فوري لإطلاق النار.
عقد مؤتمر دولي للمانحين لسد فجوة التمويل الإنساني.
إطلاق عملية سلام شاملة.
بناء منظومة أمنية وعسكرية موحدة.
تفعيل مسار العدالة الانتقالية.
تشكيل سلطة مدنية انتقالية تدير البلاد حتى الانتخابات.
وأكد حمدوك أن تحالف “صمود” سيبدأ فورًا في التواصل مع مختلف الأطراف السودانية والدولية لحشد الدعم لهذه المبادرة، مشيرًا إلى أن العملية ستتم عبر لجنة تحضيرية تضمن مشاركة جميع الأطراف باستثناء المؤتمر الوطني وواجهاته السياسية.
وفي هذا السياق، يشير الصحفي والمحلل السياسي صلاح شعيب في حديثه لسكاي نيوز عربية إلى أهمية مبادرة حمدوك نظرًا لعلاقاته الإقليمية والدولية الواسعة، معتبرًا أنها تمثل رؤية للمجتمع الدولي للتعامل مع السودان خلال الحرب وما بعدها. لكنه نوه إلى أن تأثير حمدوك على المشهد السياسي السوداني الداخلي قد يكون محدودًا، لا سيما في ظل انقسامات القوى السياسية وعوامل أخرى مثل انقلاب 25 أكتوبر 2021 والحرب الحالية.
بريطانيا تسعى لحشد دعم دولي
من جانبها، أعلنت بريطانيا عن عزمها تنظيم مؤتمر دولي في منتصف الشهر المقبل بمشاركة 20 وزيرًا من دول معنية بالأزمة السودانية. يأتي ذلك ضمن جهودها لحشد الدعم الدولي وإيجاد توافق حول آلية لإنهاء الحرب وتعزيز العملية السياسية في السودان.
وفي إطار هذه التحركات، زارت هارييت ماثيوز، المدير العام لشؤون أفريقيا بوزارة الخارجية البريطانية، مدينة بورتسودان حيث التقت قائد الجيش عبد الفتاح البرهان. وأكدت عقب اللقاء أن بلادها ملتزمة بلعب دور رئيسي في دعم الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الصراع.
ورغم عدم صدور موقف رسمي واضح من الحكومة السودانية تجاه المبادرة البريطانية، أشار السفير نور الدائم عبد القادر، مدير الشؤون الأوروبية والأمريكية بوزارة الخارجية السودانية، إلى أن بلاده تسعى إلى دور إيجابي لبريطانيا في دعم القضايا السودانية.
تحركات إفريقية ودور الاتحاد الإفريقي
في سياق متصل، يواصل الاتحاد الإفريقي جهوده للتواصل مع جميع الأطراف السودانية، بما في ذلك الجهات السياسية والمدنية، بهدف الوصول إلى حل شامل للأزمة.
ورغم أن ستة من أصل عشرة مبادرات مطروحة منذ اندلاع الحرب كانت برعاية الاتحاد الإفريقي ومنظمة “إيغاد”، فإن أيًا منها لم ينجح حتى الآن في وقف الاقتتال. ويعزو مراقبون هذا الإخفاق إلى تعدد المنابر التفاوضية وعدم وجود رغبة حقيقية لدى بعض الأطراف في إنهاء الحرب، التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 15 مليون شخص، فضلًا عن الدمار الاقتصادي والاجتماعي الذي خلفته.
وفي هذا السياق، يرى محمد بن شمباس، رئيس اللجنة الرفيعة المستوى للاتحاد الإفريقي بشأن السودان، أن العائق الأساسي أمام أي حل هو استمرار تعويل طرفي النزاع على الحلول العسكرية بدلًا من الحوار السياسي.
التحديات أمام الحلول المطروحة
يؤكد الأكاديمي والباحث السياسي الأمين مختار أن التحدي الأكبر أمام أي مبادرة هو إيجاد آليات تنفيذية تُلزم الطرفين بالدخول في مفاوضات مباشرة، مع مراعاة وجود أطراف داخل المؤسسة العسكرية ترفض الحلول السلمية، فضلًا عن تعدد مراكز صنع القرار داخل الجيش.
وشدد مختار على أهمية وقف إطلاق النار فورًا دون شروط، والبدء في معالجة الأزمة الإنسانية كخطوة أولى نحو التوصل إلى حل سياسي شامل.
ختامًا: فرص النجاح ومخاطر الفشل
مع استمرار الحرب وتعدد المبادرات الدولية والإقليمية، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه الجهود في وضع حد للصراع، أم أن التحديات الداخلية والتعقيدات السياسية ستجعل الحل أكثر تعقيدًا؟
في ظل الواقع الحالي، تبدو المبادرات المطروحة أقرب إلى محاولات اختبار للخيارات الممكنة أكثر من كونها حلولًا نهائية. ويبقى الرهان على قدرة المجتمع الدولي والإقليمي على توحيد الجهود ودفع الأطراف المتحاربة نحو تسوية سياسية تنهي الأزمة وتعيد السودان إلى مسار الاستقرار.