إيران بين فكّي الأزمات.. هل تقبل بالمواجهة أم تناور بالصفقات؟

يواجه النظام الإيراني واحدة من أكثر الفترات تحديًا في تاريخه الحديث، حيث تتراكم الضغوط الاقتصادية، وتتراجع هيمنته الإقليمية، وتتزايد العزلة السياسية. موقع “أويل برايس” المتخصص في شؤون النفط والطاقة، أكد في تقرير مفصل أن إيران تعاني من تراجع غير مسبوق في نفوذها، في ظل الضربات التي تعرض لها ما يُعرف بـ”محور المقاومة”، والتغيرات الجيوسياسية في المنطقة والعالم.
ضربات موجعة لـ”محور المقاومة”
تعرضت المصالح الإيرانية لضغوط شديدة خلال الأشهر الماضية، بدءًا من الهجوم الإسرائيلي على سفارتها في دمشق، وصولًا إلى التحديات التي تواجهها الفصائل المتحالفة معها. حزب الله في لبنان اضطر إلى قبول وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وسحب قواته من الجنوب، مما أفقد طهران ورقة ضغط عسكرية مهمة. أما في غزة، فرغم تمكن حماس من إعادة تنظيم صفوفها جزئيًا، إلا أن الضربات التي تلقتها أثرت على الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة. في سوريا، يواجه نظام الأسد تحديات داخلية وخارجية تُضعف ارتباطه بطهران، مما يجعل النفوذ الإيراني في مهب الريح.
اقتصاد متهاوٍ.. والاحتجاجات تشتعل
على الصعيد الداخلي، تعاني إيران من أزمة اقتصادية خانقة، حيث سجل الريال الإيراني أدنى مستوى له تاريخيًا بسبب العقوبات الأمريكية وسوء الإدارة والفساد المستشري. وتتزايد الاحتجاجات الشعبية مع تزايد تكاليف التدخلات الخارجية لطهران، حيث يُقدر أن إيران أنفقت نحو 20 مليار دولار في صراعات بالشرق الأوسط، بينما يواجه المواطنون تدهورًا معيشيًا حادًا. وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية عمّقت الفوضى السياسية، وفتحت الباب أمام خلافات داخلية بين الفصائل المتنافسة على السلطة.
الضغوط الأمريكية وعودة سياسة “الضغط الأقصى”
تتوقع إيران تصعيدًا أمريكيًا مع عودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض، حيث أشار التقرير إلى أن إدارة ترامب قد تعيد سياسة “أقصى ضغط ممكن” ضد طهران. وقد بدأت واشنطن بالفعل استهداف “أسطول الظل” الإيراني، وهي ناقلات نفط سرية يُزعم أنها تموّل برنامج إيران النووي. في المقابل، تحاول إيران تقليل تأثير هذه العقوبات عبر ممرات تجارية مع الصين وأفغانستان، وتعزيز دورها في “ممر النقل الدولي الشمالي-الجنوبي” الذي يربط الهند بأوروبا.
لكن رغم هذه الجهود، تظل أزمة المياه تشكل تهديدًا خطيرًا، حيث تواجه إيران جفافًا غير مسبوق، وتخوض مفاوضات شاقة مع أفغانستان حول حقوقها المائية وفقًا لمعاهدة نهر هلمند لعام 1973، والتي لم تُنفذ بالكامل بسبب الصراعات المستمرة.
الملف النووي.. بين الصفقات والمواجهة
يظل البرنامج النووي الإيراني ملفًا حساسًا على الساحة الدولية، حيث من المتوقع استئناف المفاوضات بشأن الاتفاق النووي في يناير 2025. وتشير التقارير إلى أن طهران تسعى لتطوير خيار “السلاح النووي البدائي”، رغم أن المرشد الأعلى علي خامنئي لم يُصدر قرارًا نهائيًا بالمضي قدمًا في ذلك.
على الجانب الآخر، يبدو أن ترامب منفتح على صفقة جديدة، لكنه يواجه ضغوطًا من إسرائيل وأطراف متشددة في واشنطن تطالب بتوجيه ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية. نائبه المحتمل، جي دي فانس، صرّح بأن الحرب مع إيران ستكون مكلفة، لكنها ليست مستبعدة، ما يفتح الباب أمام احتمالات التصعيد العسكري.
تحالفات إيران.. بين بكين وموسكو
منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في 2018، عززت إيران علاقاتها مع كل من الصين وروسيا، ووقعت اتفاقيات شراكة استراتيجية معهما، مما وفر لها شريانًا اقتصاديًا حيويًا. وتستورد الصين حاليًا 1.75 مليون برميل يوميًا من النفط الإيراني، مما يجعلها أكبر شريك اقتصادي لطهران.
وإذا قررت الولايات المتحدة اعتراض ناقلات النفط الإيرانية، فقد تتصاعد التوترات مع بكين، التي قد تعتبر هذه الخطوة “قرصنة بحرية”، وترسل قوات بحرية لحماية السفن الإيرانية. مع امتلاك الصين لأكبر قوة بحرية في العالم، قد تستخدم هذه الأزمة لتعزيز نفوذها العسكري في الخليج، مما سيؤدي إلى تعقيد الموقف الجيوسياسي في المنطقة.
إيران بين صفقة كبرى أم مواجهة شاملة؟
التحدي الأكبر أمام طهران في الأشهر المقبلة سيكون كيفية إدارة التفاوض مع إدارة ترامب المحتملة. قد تحاول إيران تقديم صفقة تجعل ترامب يشعر بأنه هو من أبرم “أعظم اتفاق في التاريخ”، مع السعي للحصول على معاهدة رسمية تتطلب تصديق الكونغرس الأمريكي، مما قد يخلق انقسامًا داخل واشنطن.