
مع دخول الثورة الإسلامية في إيران عامها السادس والأربعين، تتزايد التساؤلات حول مستقبل النظام الإيراني، خاصة في ظل تآكل قاعدة دعمه التقليدية.
فبعدما حظي النظام في بداياته بدعم شعبي واسع، تراجع هذا التأييد تدريجيًا عبر العقود، حتى وصل إلى مرحلة قد تكون الأكثر خطورة على استقراره، هو ما تناولته مجلة فورين بولسي في التقرير التالي…
من الحاضنة الواسعة إلى القاعدة الصلبة
على مدار العقود الماضية، شهدت الجمهورية الإسلامية تحولات جذرية في بنيتها الاجتماعية والسياسية. فقد أدى فرض سياسات إسلامية متشددة خلال “الثورة الثقافية” إلى إبعاد الطبقة الحديثة والمتعلمة، فيما أسهمت الحرب الإيرانية-العراقية في تمكين السلطات من سحق المعارضة العلمانية.
ومع دخول العقد الثاني للثورة، أدى الإنهاك الاقتصادي وتنامي النزعة التحررية بين الشباب إلى تصدع دعم الطبقة الوسطى، خاصة بعد قمع احتجاجات 2009.
لكن الضربة القاصمة جاءت لاحقًا، عندما تآكلت القاعدة التقليدية للنظام بين الطبقات العاملة والريفية، التي طالما مثلت خزانًا بشريًا لدعمه.
فقد أدى الفساد وسوء الإدارة والعقوبات الدولية إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية، ما أشعل احتجاجات واسعة في 2017 و2019، شملت حتى معاقل النظام التقليدية مثل قم ومشهد.
وعلى الرغم من القمع العنيف، الذي أسفر عن مقتل نحو 1500 متظاهر في 2019، فقدت هذه الطبقات ثقتها في النظام.
تصدع آخر حصون النظام
مع تراجع الدعم الشعبي، بات النظام يعتمد بشكل شبه حصري على قاعدته الصلبة، وهي مجموعة متشددة أيديولوجيًا، تشمل كوادر الحرس الثوري والباسيج، والمناصرين للعقيدة الخمينية المتطرفة.
هذه الفئة الصغيرة، التي لا يتجاوز عددها 10% من السكان، كانت تتحرك طواعية لقمع الاحتجاجات، وتنفيذ أجندة النظام داخليًا وخارجيًا.
لكن على مدار العام الماضي، بدأت شروخ خطيرة تظهر داخل هذه الدائرة الضيقة.
البداية كانت مع وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي اعتمد بالكامل على دعم القاعدة الصلبة، وتوقع كثيرون أن يخلفه متشدد آخر مثل سعيد جليلي.
لكن المفاجأة جاءت عندما اختار المرشد الأعلى، علي خامنئي، “الإصلاحي” مسعود بزشكيان، ما أثار استياءً عارمًا بين القاعدة المتشددة، التي رأت في ذلك خيانة لأيديولوجية النظام.
وزاد الغضب مع تعيين جواد ظريف نائبًا للرئيس للشؤون الاستراتيجية، رغم أنه كان مستهدفًا بحملات تشويه من قبل الحرس الثوري لسنوات، واعتُبر خائنًا لمواقفه التفاوضية مع الغرب.
كما تزايد الاستياء عندما تدخل المجلس الأعلى للأمن القومي لتخفيف القوانين الصارمة بشأن الأخلاق العامة، ما اعتبرته القاعدة الصلبة تخليًا عن أحد أهم ركائز الثورة.
الضغوط الخارجية تفاقم الأزمة
لم تقتصر التحديات على الداخل، فقد تسببت التطورات الإقليمية في توتر داخل أوساط النظام.
فنجاح إسرائيل في استهداف قادة الحرس الثوري وحزب الله، وعدم قدرة إيران على الرد بفعالية، دفع القاعدة الصلبة للتشكيك في كفاءة القيادة العسكرية. كما أن انهيار نظام بشار الأسد، الذي استثمرت إيران مليارات الدولارات للحفاظ عليه، زاد من الغضب داخل صفوف الموالين المتشددين، الذين رأوا في ذلك خيانة لتضحياتهم.
لكن الضربة الأكبر جاءت مع إشارات النظام إلى استعداده للتفاوض مع الولايات المتحدة، رغم أن خامنئي وقادة الحرس الثوري تعهدوا مرارًا بالانتقام لمقتل قاسم سليماني، ما عمّق إحساس القاعدة الصلبة بالخيانة.
بين القمع والمناورة
يدرك النظام الإيراني أن تفكك قاعدته الصلبة يمثل تهديدًا وجوديًا. فهذه المجموعة ليست مجرد داعمين، بل هي القوة التي يعتمد عليها لقمع أي انتفاضة جديدة.
ولهذا، يبدو أن خامنئي يسعى لاستعادة ثقتهم عبر إعادة تفعيل سياسات قمعية داخلية، مثل تشديد قوانين الأخلاق العامة، وإقصاء شخصيات محسوبة على التيار الإصلاحي مثل ظريف وعبد الناصر همتي.
لكن هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر، إذ قد تؤدي إلى اندلاع موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية، ما يضع النظام في مأزق خطير: فإما أن يستمر في قمع شعبه ويفقد دعم قاعدته المتشددة، أو يتنازل للشارع، ما قد يفتح الباب أمام انهياره.
في النهاية تشير التطورات الأخيرة إلى أن إيران قد تواجه سيناريو مشابهًا لما حدث في سوريا، حيث أدى تآكل القاعدة العسكرية للنظام إلى تسارع انهياره.
وعلى الرغم من أن خامنئي لا يزال يملك أدوات قمع فعالة، فإن فقدانه ثقة حتى أكثر مؤيديه تطرفًا قد يكون بداية النهاية للنظام الإيراني، أو على الأقل، بداية لمرحلة جديدة من عدم الاستقرار العميق.