
أثارت المناورات العسكرية المشتركة بين المغرب وفرنسا، المزمع إجراؤها قرب الحدود الجزائرية في سبتمبر المقبل، موجة غضب في الجزائر، في ظل أزمة دبلوماسية متفاقمة بين باريس والجزائر.
ووصفت الخارجية الجزائرية هذه التدريبات بأنها “عمل استفزازي” من شأنه تأجيج التوتر بين البلدين.
قناة الحرة الأمريكية تناولت بالتحليل التداعيات المحتملة لهذه المناورات في ظل مسار التوتر بين المغرب والجزائر.
تصعيد دبلوماسي جديد
لم يصدر أي بيان رسمي من المغرب أو فرنسا بشأن هذه المناورات، إلا أن الخارجية الجزائرية أكدت أنها ستُجرى في شهر سبتمبر، مشيرة إلى أن “اسم المناورات يحمل دلالات”، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
المؤرخ الفرنسي والخبير في الشؤون الجزائرية، بنجامان ستورا، وصف الأزمة بين الجزائر وفرنسا بأنها “الأخطر” في تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث تشهد العلاقات بينهما توتراً متزايداً بسبب ملفات عدة، أبرزها دعم باريس لمقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء الغربية.
لماذا الغضب الآن؟
سبق أن أجرى المغرب وفرنسا مناورات عسكرية في منطقة الراشيدية قرب الحدود الجزائرية عام 2022 تحت اسم “شرقي 22″، دون أن تثير غضب الجزائر آنذاك. لكن هذه المرة، جاء الرد الجزائري سريعاً وحاداً، ما يطرح تساؤلات حول دوافع هذا التصعيد الجديد.
يُرجع المحلل الجزائري حكيم بوغرارة هذا الغضب إلى “تمادي الاستفزازات”، سواء من المغرب أو فرنسا، خصوصاً بعد دعم باريس لخطة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية وزيارات مسؤولين فرنسيين للأقاليم الجنوبية المغربية.
ويرى بوغرارة أن الجزائر ترى في هذه المناورات استمراراً لمسلسل “التآمر والاستفزاز”، ما قد يدفعها إلى اتخاذ إجراءات دبلوماسية أشد.
في المقابل، يقلل الإعلامي المغربي والباحث في العلوم السياسية، يوسف منصف، من أهمية الموقف الجزائري، معتبراً أن هذه المناورات تأتي في إطار التعاون العسكري المستمر بين الرباط وباريس، ولا تستهدف الجزائر بأي شكل من الأشكال.
ويضيف منصف أن “تزامن هذه المناورات مع الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا زاد من حدة التوجس لدى حكام الجزائر، الذين يرون في أي تقارب مغربي-فرنسي تهديداً لهم”.
اسم المناورات ودلالاته
أثار اسم المناورات “شرقي 2025” جدلاً واسعاً في الجزائر، حيث اعتبرته إشارة ضمنية إلى “الصحراء الشرقية”، وهي أراضٍ يدّعي المغرب أنها اقتُطعت منه خلال الاستعمار الفرنسي لصالح الجزائر.
ورغم عدم تعليق باريس والرباط رسمياً على هذه التفسيرات، إلا أن الإعلام الجزائري اعتبر الأمر استفزازاً مباشراً.
على الجانب الآخر، نقلت صحيفة “تليكسبريس” المغربية عن مصادرها أن المناورات العسكرية المرتقبة لها صلة مباشرة بالتحديات الأمنية في منطقة الساحل، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتهريب وتجارة المخدرات والاتجار بالبشر، وهي أنشطة تنشط بشكل كبير في جنوب الجزائر.
انعكاسات التصعيد
يأتي هذا التصعيد في وقت حساس تمر فيه العلاقات بين باريس والجزائر بمرحلة توتر غير مسبوقة، تفاقمت مع دعم فرنسا لمقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء الغربية، وسجن الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال في الجزائر بعد تصريحات اعتُبرت منحازة للمغرب.
كما زادت التوترات مع توقيف السلطات الفرنسية لعدد من المؤثرين الجزائريين، ما دفع الجزائر إلى اتخاذ مواقف أكثر حدة تجاه باريس.
وسط هذه الأجواء المشحونة، تظل التساؤلات قائمة حول مدى تأثير هذه المناورات على مستقبل العلاقات بين الدول الثلاث، وهل ستدفع الجزائر نحو خطوات تصعيدية أخرى، أم ستكتفي بإدانة سياسية ودبلوماسية؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.