Podcast Icon
سياسة

أوجلان يدعو لحل حزب العمال الكردستاني.. هل اقترب السلام أم تعقّدت الأزمة؟

دعوة تاريخية لإنهاء الصراع
في السابع والعشرين من فبراير (شباط)، وجّه زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، نداءً تاريخياً لجماعته بإلقاء السلاح وحل الحزب نهائياً، مشدداً على أن هذه الخطوة تمثل مسؤولية تاريخية تقع على عاتقه. وجاءت دعوته في رسالة تلاها حلفاؤه السياسيون في إسطنبول، حيث كتب: “أتحمل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة، يجب على جميع المجموعات إلقاء أسلحتها، وعلى حزب العمال الكردستاني حل نفسه.”

استجابة أولية ووقف إطلاق النار
بعد يومين فقط من هذه الرسالة، أعلنت اللجنة التنفيذية لحزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار ضد الدولة التركية، في خطوة تعكس جدية التنظيم في الاستجابة لدعوة زعيمه، وفقاً لما أكدته بينار دينش، المحققة الرئيسية في مشروع “إيكو سيريا” بجامعة لوند السويدية.

في مقال نشرته على موقع “ذا كونفرسيشن”، لفتت دينش إلى أن الصراع المسلح، الذي بدأ عام 1984 بدافع إقامة دولة كردية مستقلة رداً على القمع الحكومي، أدى إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص، وتشريد مئات الآلاف.

وأشارت إلى أن أوجلان، المسجون في جزيرة جنوب إسطنبول منذ اعتقاله في كينيا عام 1999، لا يزال يتمتع بتأثير واسع بين أنصار القضية الكردية، وظل زعيماً فعلياً لحزب العمال الكردستاني رغم وجوده خلف القضبان.

تحولات فكرية داخل الحزب
خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قاد أوجلان تحولاً جوهرياً في توجهات حزب العمال الكردستاني، مبتعداً عن فكرة الاستقلال الكامل نحو تبني رؤية جديدة تقوم على الحكم الذاتي وحقوق الأكراد ضمن مفهوم “الكونفدرالية الديمقراطية”، التي تقوم على الديمقراطية المباشرة بدلاً من الدولة القومية التقليدية.

وفي رسالته الأخيرة، أكد أوجلان أهمية إيجاد مجتمع ديمقراطي حقيقي كإطار لحل القضية الكردية بشكل دائم، لكنه لم يحدد بشكل دقيق الخطوات التنفيذية لتحقيق ذلك.

رسالة غير مكتملة واشتراطات للتنفيذ
رغم وضوح دعوة أوجلان لنزع السلاح، إلا أنها لم تتضمن إطاراً تفصيلياً لعملية السلام بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية. لكن بعد قراءة رسالته، كشف سري سورييا أوندر، عضو حزب المساواة والديمقراطية المؤيد للأكراد، عن ملاحظة إضافية لأوجلان جاء فيها: “لا شك في أن إلقاء السلاح وحل حزب العمال الكردستاني يتطلبان عملياً الاعتراف بالسياسات الديمقراطية وبإطار قانوني.”

وهذا يشير إلى أن تفكيك الحزب ليس خطوة أحادية، بل يجب أن يكون جزءاً من عملية سياسية تضمن الحقوق الكردية وتؤسس لحل عادل ومستدام.

من جانبه، أعلن حزب العمال الكردستاني أن تنفيذ دعوة أوجلان يتطلب مشاركته الفعلية في قيادة عملية الحل، وهو ما يطرح تساؤلات حول إمكانية حصوله على حرية للتواصل وتوجيه الإجراءات المقبلة.

ترحيب واسع ودعم دولي
لقيت دعوة أوجلان تأييداً واسعاً من شخصيات بارزة في الأوساط الكردية، حيث رحّب بها كل من مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، وصالح مسلم، الرئيس المشارك السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا.

كما حظيت هذه المبادرة بدعم المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، رغم تصنيفهما لحزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية.

على الصعيد الداخلي، لاقت المبادرة قبولاً شبه إجماعي من الأحزاب السياسية في تركيا، في مؤشر على رغبة الأطراف المختلفة في إيجاد حل سياسي للصراع الممتد منذ عقود.

هل يتحقق السلام أم تتعقد الأزمة؟
رغم أهمية هذه الخطوة، ترى بينار دينش أن إنهاء الصراع ليس مسألة قريبة المنال، في ظل استمرار القمع السياسي ضد الأكراد في تركيا.

فقد عمدت الحكومة، بقيادة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، إلى عزل رؤساء البلديات الأكراد المنتخبين ديمقراطياً، واستبدالهم بمسؤولين حكوميين، كما تم اعتقال عدد من السياسيين الأكراد والإعلاميين والناشطين المدنيين، مما يعكس استمرار الضغوط الأمنية على الحركات السياسية الكردية.

من ناحية أخرى، لا تزال تركيا تعتبر قوات سوريا الديمقراطية، ووحدات حماية الشعب، وحزب الاتحاد الديمقراطي امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وهو ما دفعها إلى دعم فصائل المعارضة السورية لمواجهة النفوذ الكردي في شمال سوريا.

تحذيرات أردوغان ومخاطر الفشل
ترافق إعلان أوجلان عن حل الحزب مع تهديدات مباشرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي حذّر من “إجراءات حاسمة” في حال لم تكتمل عملية نزع السلاح.

وفي منشور عبر منصة “إكس” في الأول من مارس (آذار)، كتب أردوغان: “إذا لم يتم الوفاء بالوعود، مثل التأخير والخداع وتغيير الأسماء، فسنواصل عملياتنا، إذا لزم الأمر، حتى نقضي على آخر إرهابي.”

يشير هذا التصريح إلى أن الدولة التركية لن تكتفي بحل حزب العمال الكردستاني، بل تتوقع تفكيك جميع الكيانات المرتبطة به، سواء كانت مسلحة أو سياسية.

انعكاسات إقليمية ودور قوات سوريا الديمقراطية
في المقابل، شدد قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، على أن دعوة أوجلان لا تشمل تنظيمه، وقال: “إذا تحقق السلام في تركيا، فهذا يعني أنه لا يوجد مبرر لاستمرار الهجمات ضدنا في سوريا.”

وهذا يبرز بعداً إقليمياً للأزمة، حيث تعتبر تركيا أن أي اعتراف دولي بالحكم الذاتي الكردي في سوريا يمثل تهديداً مباشراً لأمنها القومي.

نقطة ضوء.. تغيير محتمل في الدستور التركي
وسط هذه التوترات، برز تطور إيجابي وحيد في الموقف الحكومي التركي، حيث تم التلميح إلى إمكانية تعديل التعريف الدستوري للمواطنة ليصبح أكثر شمولية، متجاوزاً الإطار العرقي التقليدي.

بحسب المحللين، قد يكون هذا التعديل خطوة نحو اعتراف أكبر بالتعددية داخل المجتمع التركي، لكنه يظل غير كافٍ لتحقيق المصالحة الشاملة ما لم يصاحبه إصلاحات سياسية واقتصادية تضمن للأكراد حقوقهم المشروعة.

بداية جديدة أم مرحلة جديدة من الصراع؟
تشكل دعوة أوجلان لحل حزب العمال الكردستاني نقطة تحول مهمة في تاريخ الصراع الكردي-التركي، لكن نجاحها يعتمد على مدى استجابة الدولة التركية لإيجاد حل سياسي شامل يضمن حقوق الأكراد، ويوقف السياسات القمعية ضدهم.

في ظل غياب رؤية واضحة من الحكومة التركية حول كيفية إدارة هذه المرحلة، تبقى الأسئلة مفتوحة:
هل ستقبل أنقرة بتسوية سياسية تضمن للأكراد حقوقهم ضمن الدولة التركية؟
أم أن دعوة أوجلان ستظل مجرد إعلان رمزي لا يغيّر من المعادلة شيئاً؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى