إيران بين الأزمة الاقتصادية والتصعيد النووي.. هل يشعل الانهيار الداخلي فتيل المواجهة؟

إسرائيل والتقارير الأجنبية عن هجوم محتمل على إيران
تناولت صحيفة “غلوبس” الاقتصادية العبرية التقارير الأجنبية التي تحدثت عن “هجوم إسرائيلي مُخطط على إيران”، مستندة إلى تحليل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي. ووفقًا للصحيفة، فإن هذه التكهنات تأتي في وقت تحاول فيه طهران إخفاء أوضاعها الاقتصادية المتدهورة، بينما تواصل تعزيز برنامجها النووي.
تحت عنوان “الانهيار الاقتصادي الإيراني يشعل فتيل البرنامج النووي.. على الورق على الأقل”، قالت “غلوبس” إن التقارير حول الوضع النووي الإيراني أثارت اهتمامًا واسعًا في إسرائيل. وذكرت صحيفة “ذا تلغراف” البريطانية أن إيران رفعت مستوى التأهب في دفاعاتها الجوية حول منشآتها النووية، تحسبًا لهجوم إسرائيلي-أمريكي مشترك.
وتشير الصحيفة إلى أن التوقيت الحالي يبدو نظريًا مناسبًا لتنفيذ مثل هذا الهجوم، حيث ضعفت حركة حماس بشكل كبير بعد الأحداث الأخيرة، بينما يعاني حزب الله من أوضاع حرجة، كما أن نظام بشار الأسد في سوريا بات في حالة من التراجع، مما أدى إلى تعطيل طرق الإمداد الإيرانية بالأسلحة والأموال.
تحليل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي
يرى معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن إسرائيل قد تعتبر هذا الوقت مثاليًا لتوجيه ضربة إلى إيران من الناحية العسكرية، لكن هناك احتمال بأن تكون طهران تسيء تفسير نوايا تل أبيب، التي لن تقدم على هذه الخطوة بمفردها دون دعم دولي واضح.
ويضيف المعهد أن إدارة الرئيس الأمريكي تفرض عقوبات مشددة على إيران، لكنها في الوقت ذاته منفتحة على التفاوض، وهو ما قد يعقد أي قرار إسرائيلي بشن هجوم عسكري على طهران.
العقوبات الأمريكية وتأثيرها على الاقتصاد الإيراني
تشير “غلوبس” إلى أن سياسة العقوبات التي تتبعها الولايات المتحدة مستمرة بوتيرة متسارعة، فقبل نشر تقرير “ذا تلغراف”، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أكثر من 30 شخصًا وشركة تعمل في قطاع نقل النفط الإيراني. وشملت هذه العقوبات مسؤولين في شركة النفط الوطنية الإيرانية، إضافة إلى تجار ومديري ناقلات نفط في الصين وعدة دول أخرى.
وتسببت العقوبات في تفاقم الأزمة الاقتصادية داخل إيران، حيث يعيش أكثر من ثلث السكان تحت خط الفقر، في وقت تنفق فيه الحكومة الإيرانية ملايين الدولارات لدعم الفصائل المسلحة في الخارج. وتضيف الصحيفة أن إيران مستمرة في تقديم دعم مالي كبير لحزب الله، حيث تمنح عائلات مقاتليه الذين أصيبوا في المعارك تعويضات تصل إلى 10 آلاف دولار لكل أسرة، بينما تواجه البلاد نقصًا حادًا في الطاقة تسبب في إغلاق المكاتب الحكومية والبنوك والمدارس في 22 محافظة من أصل 31.
البرنامج النووي الإيراني.. تقدم رغم الأزمات
على الرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة، تؤكد التقارير الدولية أن البرنامج النووي الإيراني وصل إلى مراحل غير مسبوقة من التقدم. ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران تواصل تعزيز قدراتها النووية بشكل مطّرد، وهو ما يثير قلق إسرائيل والدول الغربية.
ويرى محللو معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن إيران ربما تسعى من خلال هذا التصعيد النووي إلى إرسال رسائل سياسية، مفادها أن التهديد الخارجي أكبر من الأزمة الداخلية، وذلك بهدف توحيد الجبهة الداخلية حول النظام، على غرار ما حدث خلال الحرب الإيرانية-العراقية في ثمانينيات القرن الماضي.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة “معاريف” عن الباحث الإسرائيلي بيني سباتي، المتخصص في الشأن الإيراني، أن الأزمة الحالية التي تواجهها إيران أخطر من تلك التي شهدتها خلال الحرب العراقية.
إقالة وزير الاقتصاد.. قرار بلا تأثير؟
في ظل هذه الأوضاع المتدهورة، أقالت الحكومة الإيرانية وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، وهو ما أثار تساؤلات حول قدرة القيادة الإيرانية على التعامل مع الأزمة. لكن سباتي يرى أن هذا القرار لن يكون له أي تأثير يُذكر، مشيرًا إلى أن “الحكومة الإيرانية لا تمتلك سلطة حقيقية، بل إن القرارات الحاسمة تُتخذ من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي ومستشاريه، ومعظمهم من قيادات الحرس الثوري”.
ويضيف أن تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، التي شبّه فيها الوضع الحالي بما حدث خلال الحرب الإيرانية-العراقية، تعكس حجم التحديات التي تواجهها البلاد، لكن الفرق هذه المرة هو أن إيران تقف بمفردها دون دعم دولي يُذكر.
رفض التفاوض مع واشنطن.. خطوة نحو الهاوية؟
يؤكد سباتي أن رفض خامنئي استئناف المحادثات مع الولايات المتحدة يفاقم الأضرار التي تلحق بالاقتصاد الإيراني، ويضع البلاد على مسار خطير يشبه كرة ثلج تتدحرج نحو الهاوية. ويشير إلى أن هذا التعنت لا يُضعف إيران اقتصاديًا فقط، بل ينعكس سلبًا على استقرار المجتمع الإيراني، ما قد يؤدي إلى اضطرابات داخلية يصعب السيطرة عليها.
إلى أين تتجه إيران؟
في ظل العقوبات المشددة، والأزمات الداخلية، والتقدم النووي المتسارع، تجد إيران نفسها أمام مفترق طرق خطير. فهل يستمر النظام في التصعيد العسكري لتغطية الأزمة الاقتصادية، أم أن الضغوط الداخلية والخارجية ستجبره على إعادة حساباته والجلوس على طاولة المفاوضات؟ سؤال يبقى مفتوحًا في ظل المشهد المتغير للمنطقة.