Podcast Icon
سياسة

الدروز في سوريا.. بين مطرقة التحديات وسندان التحولات السياسية

يواجه المجتمع الدرزي في جنوب سوريا مرحلة مصيرية وسط تغيّرات سياسية وأمنية متسارعة، حيث يجد نفسه عالقًا بين الضغوط الداخلية والخارجية، في ظل بيئة متقلبة أعادت تشكيل المشهد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد.

السويداء.. توازن هش في ظل التحولات
يتركز الدروز في منطقة السويداء، المعروفة تاريخيًا باسم جبل الدروز أو حوران، واعتادوا على التعامل بحذر مع التغيرات السياسية، نظرًا لوضعهم كأقلية. ووفقًا لما ذكره الكاتب والمحلل الإسرائيلي سيث فرانتزمان في مقاله بصحيفة “جيروزاليم بوست”، فإن التحولات الأخيرة، لا سيما صعود قيادة جديدة في دمشق بقيادة أحمد الشرع، دفعت الدروز إلى إعادة تقييم موقفهم.

فعلى الرغم من تحالفهم السابق مع نظام الأسد خلال الحرب الأهلية، إلا أنهم كانوا يرفضون الاندماج الكامل في مؤسسات الدولة. واليوم، يواجهون خيارًا معقدًا:

التعاون مع النظام الجديد في دمشق بقيادة أحمد الشرع، رغم خلفيته المرتبطة بجماعات متطرفة معادية للأقليات.
السعي نحو قدر أكبر من الحكم الذاتي لتأمين مصالحهم داخل سوريا الجديدة.
التواصل مع أطراف خارجية مثل إسرائيل والولايات المتحدة بحثًا عن دعم سياسي وعسكري.

المعضلة السياسية والعسكرية للدروز
لطالما انتهج الدروز سياسة التوازن في تحالفاتهم، حيث كانوا يدعمون النظام السوري دون الانخراط الكامل في مؤسساته. ومع سقوط الأسد، أصبح المجتمع الدرزي أمام معضلة جديدة في ظل حكومة أحمد الشرع، التي يحاول بعض قادتها استمالة الدروز، بينما يفضل آخرون المطالبة بحكم ذاتي موسّع.

وفي هذا السياق، برز “المجلس العسكري في السويداء”، وهو تشكيل يقوده ضباط سوريون منشقون، ويهدف إلى إنشاء هيكل أمني مستقل، على غرار قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة. هذا التطور أثار تكهنات حول دور أمريكي محتمل، خاصة أن واشنطن تركز جهودها في جنوب سوريا على مواجهة الجماعات المتطرفة وضمان الاستقرار الإقليمي.

الاهتمام الإقليمي والدولي.. إسرائيل والولايات المتحدة في الصورة
حظي المجتمع الدرزي باهتمام متزايد من القوى الإقليمية والدولية، حيث طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا فكرة جعل جنوب سوريا منطقة منزوعة السلاح، مما أثار تساؤلات حول نوايا إسرائيل في دعم الدروز والأكراد كجزء من استراتيجية احتواء النفوذ الإيراني والسوري.

في المقابل، زعمت وسائل إعلام لبنانية موالية لحزب الله أن المجلس العسكري في السويداء يتلقى دعمًا أمريكيًا، وهو ما قد يشير إلى تغير في السياسة الأمريكية تجاه جنوب سوريا، وربما استعداد واشنطن لتقديم دعم مالي وعسكري للدروز مقابل دورهم في تأمين المنطقة.

الانقسامات الداخلية.. خلافات في الرؤية والمصالح
يواجه المجتمع الدرزي انقسامات داخلية عميقة بشأن مستقبله السياسي والعسكري:

فصائل تدعو للتعاون مع النظام السوري الجديد وتؤيد البقاء تحت مظلته.
أطراف أخرى تسعى للحكم الذاتي، وتنسق مع القوى الخارجية.
معارضة قوية لأي تدخل أجنبي، خاصة من قبل من يرون أن الولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان لاستغلال الدروز لتحقيق مصالحهما.
وهناك ميل إلى تصوير القادة الدروز الراغبين في الحكم الذاتي على أنهم انفصاليون مدعومون من الخارج، في محاولة لنزع الشرعية عن تحركاتهم. وفي هذا السياق، كان غياب الزعيم الروحي للطائفة الدرزية، حكمت هاجري، عن الاجتماع الأخير بين الشرع ووفد درزي في دمشق إشارة إلى وجود خلافات داخلية.

الاحتجاجات والمخاوف من التدخلات الخارجية
اندلعت احتجاجات شعبية ضد تصريحات نتنياهو حول جنوب سوريا، خاصة في خان أرنبة، القنيطرة، نوى، وبصرى الشام، مما يعكس معارضة واسعة لأي تدخل أجنبي في الشأن الدرزي.

في الوقت نفسه، تسعى بعض الفصائل الدرزية إلى تقديم “المجلس العسكري في السويداء” ككيان أمني مستقل يحمي المنطقة من التهديدات، بما في ذلك التهريب والجماعات المتطرفة، لكن هذه الرواية محل خلاف، حيث تصفه أطراف أخرى بأنه مجرد أداة لجهات خارجية.

مستقبل الدروز.. بين الاستقلال والارتباط بالنظام
يقف المجتمع الدرزي في سوريا اليوم عند مفترق طرق حاسم، في ظل الضغوط الداخلية والتأثيرات الخارجية المتزايدة. ورغم أن المجلس العسكري في السويداء قد يمثل نموذجًا أوليًا للحكم الذاتي الدرزي، إلا أن:

دمشق ستقاوم أي تحركات استقلالية، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف نفوذها.
حزب الله وإيران سيعارضان بشدة أي سيناريو يقود إلى سوريا لامركزية، لأنها قد تضعف السيطرة الإيرانية على مناطق النفوذ الاستراتيجية.
إسرائيل والولايات المتحدة قد تواصلان استكشاف خيارات لدعم الدروز كجزء من ترتيبات إقليمية أوسع.

سيناريوهات المستقبل
يبقى مستقبل الدروز في سوريا غير محسوم، حيث يعتمد على تطورات الوضع السياسي والعسكري في دمشق، ومدى قدرة الدروز على التفاوض مع القوى الكبرى لضمان مصالحهم.

إذا نجح المجلس العسكري في تعزيز موقعه وحصل على دعم خارجي مستقر، فقد يصبح نموذجًا للحكم الذاتي في إطار سوريا جديدة لا مركزية.
أما إذا قررت دمشق اتخاذ موقف أكثر صرامة، فقد تجد الطائفة الدرزية نفسها مجددًا في موقع الدفاع عن بقائها، وسط صراع القوى المتعددة على الأرض السورية.
في النهاية، يبقى الدروز بين مطرقة التحديات الأمنية وسندان التحولات السياسية، مما يفرض عليهم إعادة ترتيب أولوياتهم وتحالفاتهم للحفاظ على وجودهم ومستقبلهم في سوريا الجديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى