الصين وإعادة تسليح إيران: سباق تسلح يثير مخاوف عالمية

بفضل أنظمة التتبع البحري والمراقبة عبر الأقمار الاصطناعية، بات واضحًا أن الصين تلعب دورًا رئيسيًا في دعم القدرات العسكرية الإيرانية، مما يثير تساؤلات حول دوافعها الاستراتيجية وتداعيات هذا الدعم على الأمن الإقليمي والدولي.
شحنات سرية لتعزيز القوة الصاروخية الإيرانية
يكشف الكاتب روجر بويس في صحيفة “تايمز” البريطانية عن قيام سفينتين تجاريتين صينيتين، تحملان العلم الإيراني، بتفريغ شحنات ضخمة من المواد الكيميائية الأولية في طهران، تُستخدم كوقود دافع للصواريخ. وتشير التقديرات إلى أن هذه المواد تكفي لإنتاج نحو 260 صاروخًا إيرانيًا متوسط المدى، في خطوة تعكس السباق المحموم الذي تخوضه إيران لتعزيز قدراتها العسكرية.
ترسانة صاروخية ضخمة واستعدادات لحرب محتملة
وفقًا لتقديرات الولايات المتحدة، فإن إيران تمتلك بالفعل أكثر من 3000 صاروخ باليستي تحت تصرفها، وتسعى إلى تعزيز ترسانتها بشكل متسارع. ومؤخرًا، كشفت طهران عن صاروخ كروز أسرع من الصوت بمدى 2000 كيلومتر، إلى جانب نقل قواعدها الصاروخية إلى مواقع تحت الأرض أو مناطق مرتفعة لتعزيز قدرتها على تنفيذ ضربات استراتيجية. كما أنشأت “مدينة صواريخ” تحت الأرض على الساحل الجنوبي، تابعة للحرس الثوري الإيراني، مما يمنحها قدرة على شن هجمات بصواريخ كروز ضد السفن الحربية وتعطيل حركة الملاحة في مضيق هرمز والخليج العربي.
رد فعل على الخسائر العسكرية وضعف النفوذ الإقليمي
يأتي هذا التصعيد العسكري في إطار محاولة إيران لتعويض سلسلة الخسائر المهينة التي تعرضت لها في العام الماضي، سواء على مستوى وكلائها في المنطقة، مثل حماس في غزة وحزب الله في لبنان، أو على مستوى فشلها في تسجيل ضربة نوعية ضد إسرائيل رغم الهجمات المباشرة النادرة التي شنتها.
كما أن الوضع السياسي في الولايات المتحدة وإسرائيل يثير مخاوف طهران، إذ تتوقع أن تؤدي عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة، المعروف بسياسة “الضغط الأقصى” تجاهها، إلى تصعيد جديد ضدها. وبالتزامن، فإن استمرار بنيامين نتنياهو في رئاسة الحكومة الإسرائيلية يزيد من احتمالية تنفيذ هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية، وهو سيناريو تسعى إيران للاستعداد له من خلال تعزيز قدراتها الصاروخية.
حزب الله يتراجع وإسرائيل ترفع مستوى التهديد
كانت إسرائيل في السابق مترددة في مواجهة حزب الله، القوة الأكثر خبرة بين وكلاء إيران، لكنها نجحت مؤخرًا في احتواء تهديده وتجاوز قدراته القتالية. حتى أن بعض الوزراء اللبنانيين بدؤوا يتحدون حزب الله علنًا، في مؤشر على تراجع نفوذه داخليًا.
وفي استعراض واضح للقوة، نفذت القوات الجوية الإسرائيلية تحليقًا استفزازيًا فوق جنازة الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بينما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس بتصريح شديد اللهجة:
“أنتم متخصصون في الجنازات، ونحن سنتخصص في الانتصارات.”
إسرائيل تستعد لضرب النووي الإيراني رغم التردد الأمريكي
بحسب الصحيفة، لم تعد إسرائيل مترددة في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية حتى لو اضطرت للعمل بمفردها، في ظل احتمال عدم انضمام الولايات المتحدة إلى أي ضربة عسكرية مباشرة. وتأتي هذه التحركات في وقت تحاول فيه إيران إعادة بناء مخزونها من وقود الصواريخ، بعد تعرض منشآتها لضربات إسرائيلية في أكتوبر الماضي.
الصين وإعادة تشكيل النظام العالمي: دعم إيران في مواجهة الغرب؟
يثير الكاتب تساؤلات حول حقيقة الدور الصيني في دعم إيران:
هل تدعم بكين إيران فقط لإجبار الولايات المتحدة على التفكير مرتين قبل مهاجمة برنامجها النووي؟
أم أن الصين تسعى إلى ضمان بقاء إيران كحليف قوي داخل محور القوى المنافسة للغرب، بجانب روسيا وكوريا الشمالية؟
يذكر بويس أن كوريا الشمالية ترسل جنودها للقتال في روسيا لدعم موسكو، فهل ترغب الصين الآن في توفير غطاء لإيران ضد أي هجوم أمريكي أو إسرائيلي؟
إيران بين الطموح النووي وتبديد الفرص التاريخية
يختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن إيران كانت تتطلع إلى مستقبل مختلف، حيث تكون قوة إقليمية بارزة، تحظى بالاحترام والتقدير دون الحاجة إلى الدخول في سباق تسلح متهور. إلا أن سعيها للهيمنة العسكرية عبر تطوير برنامجها النووي ودعم الميليشيات الإقليمية أضاع عليها هذه الفرصة.
ويحذر بويس من أن الحرب لن تكون الحل لمشاكل إيران الداخلية والخارجية، مؤكدًا أن الصين يجب أن تتخلى عن محاولة تحويل إيران إلى قوة عسكرية قادرة على زعزعة الاستقرار الإقليمي، لأن هذا لن يؤدي إلا إلى تعميق الصراعات وإعادة إحياء الطموحات الإمبراطورية الفارسية في غير زمانها.