ترامب والسودان.. حسابات معقدة بين الأمن الإقليمي والمصالح الدولية

في ظل تصاعد الأوضاع في السودان واستمرار الحرب الأهلية، تبرز تساؤلات حول توجهات إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تجاه الأزمة السودانية، وتأثيرها على الأمن الإقليمي والمصالح الأميركية في البحر الأحمر.
أولويات الإدارة الأميركية: السودان تحت المجهر
قال الدبلوماسي الأميركي السابق، كاميرون هدسون، في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط”، إن إدارة ترامب تولي اهتمامًا كبيرًا بالحرب في السودان، حيث تسعى إلى منع تحول البلاد إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية، وتجنب انزلاقها إلى فوضى مماثلة لما حدث في الصومال أو ليبيا.
وأوضح هدسون، الباحث البارز في برنامج أفريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن الولايات المتحدة تضع استقرار البحر الأحمر ضمن أولوياتها الاستراتيجية، مشيرًا إلى أن واشنطن تسعى لضمان أمن حركة الملاحة البحرية، ومنع أي نفوذ روسي أو إيراني في المنطقة.
وأضاف أن السودان يعد جزءًا من التوازنات في منطقة الشرق الأوسط، حيث ترغب إدارة ترامب في توسيع نطاق “الاتفاقيات الإبراهيمية”، التي وقع عليها السودان سابقًا، لكن استمرار الحرب يعيق هذا المسار، مما يطرح تساؤلات حول إمكانية تحقيق السلام في السودان، كجزء من تحقيق الاستقرار الإقليمي الأشمل.
القاعدة البحرية الروسية: نقطة اشتعال جديدة؟
فيما يتعلق بالاتفاق السوداني-الروسي حول إقامة قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر، أبدى هدسون تشككه في مدى مصداقية هذه الاتفاقية، لكنه أشار إلى أنها ستكون مصدر قلق بالغ لإدارة ترامب، التي قد تتخذ إجراءات حازمة لإثناء السودان عن هذا المسار.
وأضاف: “إذا كان الاتفاق حقيقيًا، فسيشكل أزمة كبيرة لترامب، وستكون هناك ردود فعل قوية من أجل تحذير السودان من عواقب هذا القرار”.
استراتيجية ترامب في التعامل مع الأزمة السودانية
وحول مدى اهتمام إدارة ترامب بالملف السوداني، أشار هدسون إلى أن الإدارة لم تعيّن بعد فريقها المختص بالشؤون الأفريقية، لكنه توقع أن يتم ذلك قريبًا، مشيرًا إلى إمكانية تعيين مبعوث خاص للسودان، ما قد يفتح المجال أمام تفكير جديد بشأن كيفية التعامل مع الأزمة.
وأضاف أن ترامب سيراقب التطورات الميدانية عن كثب، حيث تمكن الجيش السوداني من استعادة السيطرة على الخرطوم، بينما لا تزال قوات الدعم السريع تسعى للسيطرة على الفاشر، وهو ما قد يؤدي إلى وضع مشابه للوضع الليبي، بوجود حكومتين متنافستين.
إمكانية التدخل الأميركي وفرض العقوبات
حول كيفية استجابة إدارة ترامب لهذا الوضع، أوضح هدسون أن هناك احتمالًا لدعم جهود الوساطة لتحقيق السلام، لكنه لم يستبعد أيضًا إمكانية حدوث مزيد من الفوضى.
وأشار إلى شهادة وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أمام الكونغرس، والتي وصف فيها قوات الدعم السريع بأنها “ميليشيا ارتكبت جرائم إبادة جماعية”، ما يجعل من الصعب على واشنطن الاعتراف بأي حكومة تتشكل في الفاشر.
كما انتقد هدسون طريقة تعامل إدارة بايدن مع الأزمة، مشيرًا إلى أنها كانت بطيئة في فرض العقوبات، وأنه كان ينبغي اتخاذ إجراءات أكثر حزمًا في وقت مبكر. وأوضح أن ترامب قد يستغل العقوبات كأداة ضغط لتحقيق أهدافه في السودان، متوقعًا أن يتم وضع شروط واضحة لرفع العقوبات، لا سيما عن قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان.
البرهان ومساعي إنهاء الحرب
وفي تقييمه لموقف رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، قال هدسون إن الأخير يدرك أن الحرب تدمر البلاد، وأنه يسعى إلى إنهائها، لكنه يريد ضمانات بعدم تجدد القتال مستقبلاً.
وأضاف أن البرهان يدرك أن إيقاف الحرب وحده لا يكفي، بل يجب إيجاد حل دائم لتهديدات قوات الدعم السريع، لضمان استقرار السودان على المدى الطويل.
دور ترامب في إنهاء النزاع
أشار هدسون إلى أن ترامب يتمتع بعلاقات جيدة مع دول الجوار العربي للسودان، وهو ما قد يساعد في إيجاد صفقة دولية لدعم السلام. لكنه في الوقت ذاته، أكد أن قرارات ترامب يصعب التنبؤ بها، قائلاً: “من الصعب معرفة ما الذي سيفعله ترامب بالضبط، لكن نفوذه يمكن أن يكون عاملاً مؤثرًا في إنهاء الحرب”.
يبدو أن إدارة ترامب أمام تحدٍ كبير في السودان، حيث تتشابك المصالح الأمنية والاقتصادية والسياسية. وبينما قد يسعى ترامب لاستخدام نفوذه لإبرام صفقة سلام، فإن التوترات الداخلية والدولية ستظل تلقي بظلالها على مستقبل السودان والمنطقة بأكملها.