Podcast Icon
سياسة

مصر تقود خطة عربية شاملة لإعمار غزة دون تهجير سكانها

في ظل تصاعد الجدل حول مستقبل غزة، تتجه الأنظار نحو خطة مصرية عربية تهدف إلى إعادة إعمار القطاع، مع ضمان بقاء الفلسطينيين على أراضيهم، في مواجهة طروحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تشمل تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن ودول أخرى، وتحويل غزة إلى “ريفيرا الشرق الأوسط”، وفق تعبيره.

مصر تضع اللمسات الأخيرة على خطة إعادة إعمار غزة
بحسب مصادر تحدثت إلى “بي بي سي عربي”، فإن القاهرة أوشكت على إنهاء التفاصيل الفنية للخطة، والتي تركز على إزالة الركام، وإعادة بناء البنية التحتية، وتوفير احتياجات الفلسطينيين الأساسية أثناء تنفيذ المشروع. ومع ذلك، تبقى بعض النقاط السياسية غير محسومة، وأبرزها مستقبل الحركات المسلحة في القطاع.

وتتواصل مصر مع عدة دول عربية، بينها الأردن والسعودية، لمناقشة تفاصيل الخطة، حيث من المقرر عقد اجتماع عربي خماسي في الرياض قريبا، يعقبه قمة عربية طارئة بنهاية الشهر الجاري لمناقشة التطورات الفلسطينية في ظل مقترحات ترامب المثيرة للجدل.

وفي هذا السياق، أعلنت القاهرة أن خطتها ستكون بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية، بهدف التوصل إلى “تسوية عادلة للقضية الفلسطينية تراعي حقوق شعوب المنطقة”، وفقاً لمصادر مصرية. كما سيشارك في تنفيذها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

كيف ستتم إعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها؟
يكشف مصدر مصري مطلع لـ “بي بي سي عربي” عن أن هناك مشاورات عربية لعقد مؤتمر دولي لإعمار غزة بمشاركة واسعة من دول أوروبية، على أن يبدأ التنفيذ عقب القمة العربية الطارئة في 27 فبراير الجاري.

وأوضح المصدر أن الخطة تعتمد على تقسيم القطاع إلى ثلاث مناطق إنسانية، مع إنشاء مخيمات مزودة بالخدمات الأساسية، بما فيها الماء والكهرباء، على أن يتم إدخال آلاف المنازل المتنقلة والخيام السكنية بشكل مؤقت لمدة ستة أشهر، بالتوازي مع إزالة الركام الناتج عن الحرب.

كما تشمل الخطة تسهيل دخول المواد الأساسية إلى غزة، بما في ذلك الوقود ومواد البناء، وهي نقطة لم تحظَ حتى الآن بموافقة إسرائيلية كاملة.

وسيتم تمويل المشروع من قبل السعودية وقطر ودول خليجية أخرى، بمشاركة نحو 24 شركة متعددة الجنسيات، متخصصة في التشييد والبناء، بهدف بناء وحدات سكنية جديدة خلال عام ونصف.

وفي حديث لـ “بي بي سي عربي”، قال الدكتور طارق النبراوي، نقيب المهندسين المصريين، إن النقابة شكّلت لجنة استشارية لتقديم استراتيجية هندسية متكاملة لإعادة إعمار القطاع دون تهجير سكانه، بالتعاون مع اتحاد المهندسين العرب.

وأضاف النبراوي أن إعادة إعمار غزة قد تستغرق بين 3 إلى 5 سنوات، نظراً لحجم الدمار الهائل، وتتطلب مشاركة مئات الشركات والمكاتب الهندسية على المستويين العربي والدولي.

وأشار إلى أن العملية ستمر بثلاث مراحل رئيسية:

إزالة الركام وإعادة تدويره في عمليات البناء.
إعادة تأهيل البنية التحتية، بما في ذلك شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء ومحطات التحلية.
التخطيط العمراني وإنشاء المرافق السكنية والتعليمية والصحية.

مصير حماس ومستقبل الحل السياسي
بحسب المصدر المصري، فإن النقطة الأكثر تعقيداً في المناقشات الجارية تتعلق بمصير الحركات المسلحة داخل القطاع، خاصة حركة حماس.

ويشير المصدر إلى وجود مقترح يقضي بأن توافق “المقاومة الفلسطينية” على نزع سلاحها بمجرد الإعلان عن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، مع ضمانات عربية وإقليمية لعدم استخدام غزة كمنصة لتهديد إسرائيل.

من جهته، يرى الدكتور مبارك آل عاتي، أستاذ العلوم السياسية السعودي، أن الخطة العربية يجب أن تتضمن إنهاء سيطرة حماس المنفردة على غزة، لكنه يعترف بأن استبعاد الحركة كلياً قد لا يكون واقعياً.

ويضيف آل عاتي أن الحل يكمن في الضغط على كل من حماس والسلطة الفلسطينية للتوصل إلى مصالحة وطنية، بما يسمح بتوحيد الضفة الغربية والقطاع تحت إدارة فلسطينية واحدة.

هل يمكن لترامب فرض خطته؟
لطالما عبّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رغبته في تهجير الفلسطينيين من غزة، تارةً بدعوى تحويلها إلى مركز استثماري سياحي، وتارةً بحجة توفير حياة أفضل لسكانها خارج مناطق النزاع. كما لوّح بوقف المساعدات لمصر والأردن إذا رفضتا استقبال الفلسطينيين، قبل أن يتراجع عن استخدام “الضغط المالي” كوسيلة للضغط.

وفي هذا السياق، يرى دان بيري، الصحفي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بصحيفة “جيروزاليم بوست”، أن خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين “غير قابلة للتنفيذ”، وأن الهدف الحقيقي وراءها هو دفع الدول العربية والفلسطينيين إلى الضغط على حماس لإزاحتها عن الحكم، ووقف الدعم المالي لها، خصوصاً من قطر.

وفي لقاء جمع ترامب بالملك الأردني عبد الله الثاني في واشنطن، صرّح العاهل الأردني بأن العرب سيقدمون “رداً واضحاً” على مقترح ترامب، وأنه يعتزم إجراء مشاورات مع السعودية بهذا الشأن.

وفي المقابل، قالت المتحدثة باسم ترامب، كارولاين ليفيت، إن الرئيس الأمريكي ما زال مقتنعاً بأن تهجير الفلسطينيين من غزة هو الخيار الأفضل، رغم المعارضة العربية المتزايدة لهذه الفكرة.

هل يملك العرب أوراق ضغط لمواجهة خطة ترامب؟
يرى الدكتور مبارك آل عاتي أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً على الدول العربية، لكنها في الوقت ذاته تدرك أهمية العلاقات الاستراتيجية مع دول مثل السعودية ومصر، وهو ما قد يدفع ترامب إلى إعادة النظر في موقفه.

ويضيف أن العلاقات الشخصية بين قادة المنطقة والإدارة الأمريكية قد تساعد في إيجاد أرضية مشتركة للتوافق، خصوصاً مع الزيارة المرتقبة لترامب إلى السعودية، والتي من المتوقع أن ترسم ملامح العلاقة المستقبلية بين واشنطن والعواصم العربية.

أما الدكتور حسن منيمنة، المحلل السياسي في واشنطن، فيدعو الدول العربية إلى التعامل بـ “ندية” مع خطة ترامب، وإدانتها علناً بدلاً من مجرد رفضها، لأن الرئيس الأمريكي يعتمد على أسلوب “فرض الأمر الواقع” في سياساته.

ويرى منيمنة أنه إذا قرر ترامب وقف المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر والأردن، فيجب أن يكون هناك دعم عربي بديل، عبر تعزيز الاستثمارات العربية داخلياً، وتوسيع التعاون مع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي.

وفي هذا السياق، يشير آل عاتي إلى أن السعودية تملك ورقة قوية تتمثل في ربط تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية وفق حدود 1967، وهو ما أكدت عليه الرياض رداً على خطة ترامب.

أما في مصر، فيرى المصدر المطلع أن التلويح بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل (كامب ديفيد) قد يكون أحد أوراق الضغط القوية في حال إصرار واشنطن على تنفيذ خطة تهجير الفلسطينيين.

هل تنجح الخطة العربية في مواجهة تحديات الواقع؟
بينما تسابق الدول العربية الزمن لوضع خطة إعمار غزة موضع التنفيذ، يظل التحدي الأكبر هو التوفيق بين الاعتبارات السياسية والميدانية، خصوصاً فيما يتعلق بمصير الحكم في غزة، ومستقبل العلاقة مع إسرائيل، والموقف الأمريكي من القضية برمتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى