Podcast Icon
سياسة

خطة ترامب لغزة.. مناورة سياسية أم شرارة لفوضى إقليمية؟

يرى الباحث السياسي أحمد أبو دوح، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية، أن اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير بشأن قطاع غزة قد أحدث تغييرًا جذريًا في معادلات الشرق الأوسط، سواء كان مقترحًا جادًا أم مجرد مناورة تفاوضية.

ضربة لعملية السلام
في مقاله المنشور بموقع “تشاتام هاوس”، يؤكد أبو دوح أن الخطة تهدد بنسف مفاوضات تبادل الأسرى وتدمير ما تبقى من عملية السلام الهشة بين إسرائيل والفلسطينيين.

وقد أثارت تصريحات ترامب حول “امتلاك” غزة وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” موجة غضب عالمية، بما في ذلك تحذيرات من الأمين العام للأمم المتحدة من أن الخطة قد تؤدي إلى تطهير عرقي.

ورغم محاولات البيت الأبيض التراجع عن بعض جوانبها، فإن إصرار ترامب على أن إسرائيل ستسلم غزة للولايات المتحدة يعزز الشكوك حول نية تل أبيب في الاحتفاظ بسيطرتها على القطاع، وهو ما قد يدفع حركة حماس إلى الانسحاب من المفاوضات وتجدد المواجهات العسكرية.

هدية سياسية لنتنياهو
يشير الباحث إلى أن خطة ترامب منحت دفعة سياسية قوية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي بات بإمكانه تقديم نفسه لأنصاره من اليمين المتطرف كزعيم قادر على تحقيق رؤيتهم بمباركة أمريكية.

ويضيف أن هذه الخطة، بدلًا من أن تدعم حل الدولتين، فإنها تمهد الطريق لاقتلاع الفلسطينيين من غزة، مما قد ينهي أي احتمال لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ويرى أبو دوح أن هذه الخطة قد تكون جزءًا من صفقة أكبر، يتم بموجبها اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية بالكامل، وهو سيناريو كان مستحيلًا في السياسة الأمريكية، لكنه بات احتمالًا واقعيًا بفضل تحالف ترامب-نتنياهو.

غضب عربي واسع النطاق
من منظور الدول العربية، فإن هذه الخطة ليست مجرد تصريحات جوفاء، بل تمثل تهديدًا وجوديًا مباشرًا، وفقًا للباحث.

مصر، التي حافظت على معاهدة سلام مع إسرائيل منذ كامب ديفيد، حذرت صراحةً من أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من غزة ستُنهي معاهدة السلام مع إسرائيل، مشيرة إلى أن هذا الموقف يحظى بدعم جميع القوى السياسية المصرية، بما في ذلك المعارضة والإعلام.
الأردن، حيث يشكل الفلسطينيون نسبة كبيرة من السكان، حذر من أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين قد تؤدي إلى اضطرابات غير مسبوقة تهدد استقرار المملكة بأكملها.
دول الخليج العربي، وعلى رأسها السعودية والإمارات، رفضت خطة ترامب بشكل قاطع، معتبرة أنها تهدد الاستقرار الإقليمي وتفتح الباب أمام المزيد من التصعيد.

سياسة بلا رؤية.. مخاطر غير محسوبة
ينتقد أبو دوح خطة ترامب باعتبارها تتناقض مع الأهداف التي زعمت إدارته السعي لتحقيقها في المنطقة، مشيرًا إلى أنها، بدلًا من تعزيز الاستقرار، ستؤدي إلى:
اندلاع جولة جديدة من العنف في غزة.
تعريض اتفاقيات السلام الإسرائيلية-العربية للخطر.
إعطاء إيران فرصة ذهبية لتعزيز نفوذها في المنطقة.
منح الصين وروسيا دورًا أكبر كحماة للحقوق الفلسطينية، مما يضعف النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.

ولم تتأخر حركة حماس في استغلال هذه التصريحات، حيث وصفت الخطة بأنها “صب للزيت على النار”، مبررة تأجيلها لعملية الإفراج عن الأسرى.

إعادة تشكيل الشرق الأوسط.. من المستفيد؟
يرى الباحث أن هدف نتنياهو واليمين المتطرف الإسرائيلي يتجاوز مجرد التعامل مع أزمة غزة.
فخلال إحدى تصريحاته، اقترح نتنياهو إقامة دولة فلسطينية في السعودية، مشيرًا إلى أن المملكة “تمتلك الكثير من الأراضي”، وهو ما اعتبره أبو دوح استهتارًا بمستقبل الفلسطينيين واستعدادًا للتضحية بأي مسار للسلام مع الدول العربية لتحقيق أهدافه التوسعية.
أما التأثير الأكبر، فسيكون على الولايات المتحدة نفسها، حيث ستدرك واشنطن، على المدى الطويل، أن دعمها غير المشروط لحكومة نتنياهو يلحق ضررًا بمصالحها الإقليمية أكثر من أي تهديد آخر.
ومع تصاعد القلق من أن ولاية ترامب الثانية قد تكون بمنزلة “كرة هدم” لما تبقى من النظام الإقليمي، تزداد المخاوف من أن السنوات الأربع القادمة قد تكون مليئة بالفوضى والدماء والدمار.

الضرر وقع بالفعل
يختتم أبو دوح مقاله بالتأكيد على أن خطة ترامب، سواء كانت خطوة محسوبة أو مجرد ارتجال متهور، قد ألحقت أضرارًا لا يمكن إصلاحها بعملية السلام، وبمكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وباستقرار المنطقة بأكملها.
فهل ستكون هذه الخطة بداية مرحلة جديدة من التوتر والصراع؟ أم أن الضغوط الدولية قد تجبر واشنطن على إعادة النظر؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى