
بعد عامين من الفراغ الرئاسي، تمكّن لبنان أخيرًا من تعيين رئيس جديد في 9 يناير، وهو جوزيف عون، الذي نال إشادة واسعة على الصعيدين اللبناني والدولي.
ولكن، بالإضافة إلى ذلك، تم تعيين نواف سلام رئيسًا للوزراء، وهو شخصية دبلوماسية لبنانية سابقة، شغل منصب رئيس محكمة العدل الدولية، وكان قد خدم في وقت سابق في منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح.
ولكن، في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، سيكون على سلام، الذي سيشغل السلطة التنفيذية في البلاد، مواجهة العديد من الأزمات المعقدة، بما في ذلك مسألة حزب الله وأسلحته.
التحديات أمام نواف سلام:
فرص سلام في النجاح تتسم بالغموض. الأوضاع الاقتصادية المتردية في لبنان، إضافة إلى الحاجة الكبيرة لإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب، تجعل مهمة حكومة سلام صعبة للغاية.
ولكن الأهم هو أن توازن القوى السياسية في البلاد، خاصة دور حزب الله، يعني أن سلام ليس في وضع يسمح له بمواجهة الحزب بشكل مباشر، حيث قد يتسبب ذلك في تصعيد الصراع الداخلي.
ووفقًا لدستور لبنان قبل الحرب الأهلية، كان منصب الرئيس هو الأهم والأقوى في البلاد.
لكن اتفاق الطائف لعام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية، عدّل الدستور لتوزيع القوى بشكل أكثر توازنًا.
وكان من نتائج هذا التعديل منح منصب رئيس الوزراء، الذي يشغله عادةً شخص من الطائفة السنية، صلاحيات واسعة على حساب الرئاسة.
اليوم، وفقًا للدستور اللبناني، يتمتع مجلس الوزراء بسلطة وضع السياسات العامة للبلاد، والإشراف على تنفيذ القوانين، بالإضافة إلى الإشراف على نشاط جميع مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية والأمنية.
وفي حال تمكّن سلام من تشكيل حكومة وحصل على ثقة البرلمان، سيحظى بالسلطة اللازمة لتنفيذ هذه المهام.
المشهد السياسي في لبنان:
من المتوقع أن يواجه سلام صعوبة في إجراء تغييرات جذرية، خاصة في ضوء تركيبة النظام السياسي اللبناني المعقدة.
أمامه فترة زمنية قصيرة، حتى انتخابات مايو 2026، لمعالجة مجموعة من القضايا الأساسية مثل الأزمة الاقتصادية، بنية لبنان التحتية المدمرة، والتحديات الأمنية.
وعليه أيضًا أن يواجه التحدي الأكبر: مسألة حزب الله وأسلحته، وهي قضية تؤثر بشكل كبير على استقرار لبنان.
ورغم أن ترشيح سلام حصل على تأييد 84 نائبًا من أصل 128 في البرلمان اللبناني، فإن حزب الله وحركة أمل، الممثلين الرئيسيين للطائفة الشيعية، رفضوا دعمه.
هذا الرفض يعود إلى موقفهم من انتخاب عون رئيسًا، مما أدى إلى تدهور العلاقة بين الأطراف السياسية.
في هذا السياق، كان من المفترض أن يتولى نجيب ميقاتي منصب رئيس الوزراء، حيث كان يحظى بدعم الثنائي الشيعي، ولكن بعد تغير مواقف بعض الأطراف، تم دعم سلام.
السلام مع حزب الله: توافق أو مواجهة؟
ورغم أن سلام لا يعدّ مرشحًا مناهضًا لحزب الله بشكل واضح، إلا أن سعيه للوصول إلى توازن سياسي قد يجعله في موقف يتطلب منه التفاوض مع الحزب.
ومع ذلك، يبقى من غير المرجح أن يدخل في مواجهة مباشرة مع الحزب، خاصة أن أي محاولة لتحدي نفوذ حزب الله قد تؤدي إلى عرقلة حكومته وتسبب شللاً سياسيًا.
كما أن حزب الله يُعدّ من أكثر القوى السياسية تأثيرًا في لبنان، حيث فاز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بعدد أصوات يفوق أي حزب آخر.
وفي أفضل الأحوال، قد يواجه سلام نوعًا من العرقلة السياسية من قبل حزب الله وحلفائه، وفي أسوأ الأحوال، قد يؤدي التوتر مع الحزب إلى إحداث أزمة سياسية تؤدي إلى تصعيد الأوضاع الداخلية.
وفي ظل هذه المعادلة، يُحتمل أن تتضاءل أولويات مواجهة حزب الله لصالح معالجة قضايا أخرى أكثر إلحاحًا، مثل الأزمة الاقتصادية وإعادة الإعمار.
مخاطر الصدام مع حزب الله:
من غير المرجح أن يسعى سلام إلى التسبب في تصعيد مع حزب الله، نظرًا للأوضاع الداخلية الهشة في لبنان، واحتمال اندلاع حرب أهلية جديدة إذا ما أُثيرت قضية نزع سلاح الحزب.
وعلى الرغم من أن سلام قد يطرح بعض الإجراءات الرمزية التي تشير إلى تطلعه لتحجيم نفوذ حزب الله، إلا أن من غير المحتمل أن يتخذ خطوات جادة في هذا الاتجاه، حيث إن أي خطوة من هذا القبيل قد تؤدي إلى تجدد الصراع الداخلي.
البيان الوزاري وموقف حزب الله:
في بيانه الوزاري المقبل، من المرجح أن يتجنب سلام التصريح بنزع سلاح حزب الله بشكل مباشر، خاصة في ظل الظروف السياسية المتوترة.
في الماضي، كان لبنان يفسر هذه المسائل بشكل خاص، مستثنيًا حزب الله من أي إجراءات تمس سلاحه.
وإذا ما أُقرّت حكومته، سيكون من الصعب على سلام اتخاذ إجراءات ضد الحزب بدون تعريض حكومته للشلل الكامل.
في الختام، يواجه نواف سلام تحديات هائلة في قيادة لبنان، ومن غير المتوقع أن تكون مسألة حزب الله على رأس أولوياته.
ي ظل الوضع السياسي المعقد، قد يضطر سلام إلى التركيز على القضايا الأكثر إلحاحًا مثل إعادة بناء الاقتصاد وإصلاح البنية التحتية، مع تجنب الصدامات الكبرى التي قد تؤدي إلى تفجير الأوضاع في لبنان.