حماس في الضفة الغربية بين التحديات الأمنية والنفوذ المتزايد

نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” تقريرًا يلقي الضوء على المشهد السياسي والأمني المعقد في الضفة الغربية، مع تركيز خاص على النفوذ المتنامي لحركة “حماس”. أثار احتفال الفلسطينيين بخروج الأسرى من السجون الإسرائيلية، مساء الأحد – الاثنين الماضيين، تساؤلات عديدة، حيث سيطرت أعلام “حماس” بشكل لافت على الساحة، مقابل حضور خافت للأعلام الفلسطينية وعلم وحيد لـ”حزب الله”. ومع شن إسرائيل هجومًا عسكريًا واسعًا على مخيم جنين بعد يومين فقط، ودعوة “حماس” إلى النفير العام، برزت مجددًا أسئلة حول طبيعة وقوة الحركة في الضفة الغربية ودورها في المشهد الفلسطيني.
من غزة إلى الضفة: تطور النفوذ
تعود جذور “حماس” إلى تأسيسها في قطاع غزة عام 1987، لكنها بدأت نشاطها الفعلي في الضفة الغربية أواخر عام 1989. خلال التسعينيات، شهدت الحركة صعودًا تدريجيًا، إذ لعبت خلاياها العسكرية دورًا بارزًا في تنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية، ما جعلها أحد أهم اللاعبين السياسيين والعسكريين في الساحة الفلسطينية. ومع اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000، بلغت “حماس” ذروة قوتها، حيث نفذت سلسلة هجمات كبيرة داخل إسرائيل، ما دفع تل أبيب إلى إطلاق عملية “السور الواقي” عام 2002 لتدمير بنيتها التحتية في الضفة.
سنوات القمع والتراجع
بعد انتهاء “السور الواقي”، واجهت “حماس” سلسلة من الحملات الإسرائيلية التي استهدفت قياداتها وعناصرها، مما أسهم في إضعافها. وازدادت التحديات بعد عام 2007 مع الانقسام الفلسطيني وسيطرة الحركة على قطاع غزة، حيث دخلت في صدام مفتوح مع السلطة الفلسطينية التي شنت بدورها حملات اعتقال وملاحقة ضد عناصرها في الضفة. هذه الظروف الأمنية والسياسية المعقدة دفعت “حماس” للعمل تحت الأرض لفترة طويلة، ما أدى إلى تراجع عملياتها لفترة من الزمن.
إعادة بناء الخلايا المسلحة
رغم التحديات، شهدت السنوات الأخيرة عودة تدريجية لنشاط “حماس” المسلح في الضفة الغربية. وبرز ذلك بشكل خاص بعد صفقة شاليط عام 2011، حيث تمكن أسرى محررون من إعادة بناء خلايا مسلحة للحركة. وفي السنوات الأخيرة، ظهرت أسماء قيادية بارزة مثل صالح العاروري وزاهر جبارين، الذين قادوا جهود التنظيم وإعادة الهيكلة. كما برزت مجموعات مسلحة جديدة في جنين وطولكرم ونابلس، بعضها يتبع “حماس” بشكل مباشر، مما أعاد الحركة إلى دائرة الفعل المقاوم بشكل أكثر تنظيمًا.
صراع على النفوذ: بين إسرائيل والسلطة
تشير تقديرات إلى أن “حماس” تحتل المرتبة الثانية من حيث القوة التنظيمية في الضفة، بعد حركة “فتح”، لكنها تواجه ضغوطًا مزدوجة من إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ففي شمال الضفة، خصوصًا جنين وطولكرم، يعمل نحو 270 مسلحًا محسوبين على “حماس”، إلى جانب عناصر من فصائل أخرى مثل “كتيبة جنين” التابعة للجهاد الإسلامي، التي تضم أكثر من 500 مسلح. وخلال الأعوام الأخيرة، كثفت إسرائيل عملياتها العسكرية للقضاء على هذه المجموعات المسلحة، بموازاة محاولات السلطة الفلسطينية للحد من نفوذها عبر الملاحقات الأمنية أو تسويات سياسية، نجحت في بعضها وفشلت في أخرى.
تحديات الواقع ومستقبل “حماس” في الضفة
رغم نجاح “حماس” في ترسيخ وجودها العسكري بشكل أكبر خلال الأعوام الأخيرة، فإن الظروف الأمنية المشددة في الضفة تجعل مستقبلها محفوفًا بالتحديات. التنافس مع الفصائل الأخرى، والتنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، والعمليات الإسرائيلية المستمرة، كلها عوامل تضيق الخناق على الحركة، لكنها في الوقت ذاته تؤكد قدرتها على التأقلم والبقاء كقوة رئيسية في المشهد الفلسطيني.