
تشهد الساحة السياسية في الشرق الأوسط توتراً متزايداً على خلفية التقارير التي كشفت عن إجراء مفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة “حماس”، وهي خطوة أثارت استياء القيادة الإسرائيلية.
وبينما سعى مسؤولون إسرائيليون إلى الإيحاء بأن المسألة قد تم تسويتها مع الإدارة الأميركية، إلا أن جوهر الأزمة يكمن في عدم التنسيق المسبق، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التأكيد بأن أي تحركات أميركية مستقبلية ستكون منسقة بالكامل مع إسرائيل.
توضيحات إسرائيلية واحتواء الأزمة
بعد اجتماع المجلس الأمني والسياسي المصغر (الكابنيت)، أكد نتنياهو أن الاتصالات بين الإدارة الأميركية و”حماس” قد خضعت “للتوضيح”، مشدداً على أن التنسيق الإسرائيلي سيكون جوهرياً في أي حوار مستقبلي.
ووفقاً لمصادر داخل الاجتماع، فقد تم إبلاغ الوزراء بأن هذه المسألة قد تم حلها، رغم استمرار الجدل حول مدى فعالية هذه التطمينات.
لماذا اندلع الخلاف؟
يمكن فهم سبب الغضب الإسرائيلي من المفاوضات الأميركية مع “حماس” في سياق المفاجأة بحجم وطبيعة المباحثات، وليس مجرد علمها المسبق بأن واشنطن تفكر في مثل هذه الخطوة.
وفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية، فقد أجرى المبعوث الأميركي للرهائن، آدم بوهلر، مفاوضات مع القيادي الحمساوي خليل الحية، أحد المتهمين من قِبَل إسرائيل بالتخطيط لهجوم 7 أكتوبر.
وأفادت تقارير بأن الاجتماع تم دون إبلاغ إسرائيل مسبقاً، مما أثار استياء وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، الذي يقود المفاوضات، ودفعه إلى التعبير عن غضبه في مكالمة مع بوهلر، إذ اعتبر أن واشنطن تجاوزت الخطوط الحمراء، خاصة فيما يتعلق بمسائل مثل إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين، التي تؤثر مباشرة على المصالح الإسرائيلية.
أمام هذا التطور، لجأت إسرائيل إلى تسريب المعلومات حول اللقاء بهدف فضحه وخلق حالة من الضغط السياسي على واشنطن، وهو ما انعكس في توتر العلاقات بين الطرفين.
وأشارت مصادر أميركية إلى أن تسريب المعلومات جاء من الجانب الإسرائيلي، في محاولة لإعادة زمام المبادرة إلى تل أبيب بعد أن شعرت بأنها مستبعدة من المفاوضات.
ومن بين القضايا التي أثارت القلق الإسرائيلي، مناقشة بوهلر لمسألة “اليوم التالي” مع “حماس”، أي مستقبل الحكم في غزة بعد الحرب.
هذا الطرح أضاف بعداً آخر للأزمة، حيث شعرت إسرائيل بأن الحديث عن دور “حماس” في المستقبل يتناقض مع سياستها القائمة على إقصاء الحركة نهائياً من أي ترتيبات سياسية.
موقف واشنطن: اتفاق أوسع وهدنة طويلة؟
في سلسلة مقابلات إعلامية، حاول بوهلر التخفيف من حدة التوتر، مشدداً على أن المحادثات تهدف إلى التوصل إلى “اتفاق أوسع” يشمل جميع الرهائن وليس فقط الرهينة الأميركي الحي عيدان ألكسندر ورفات الرهائن الأميركيين الأربعة القتلى.
وأضاف أن هناك “فرصة حقيقية لتحقيق بعض التحرك في الأسابيع القليلة المقبلة”.
وفي مقابلة مع “القناة 12” الإسرائيلية، قال بوهلر إن “حماس” قد اقترحت هدنة تمتد من خمس إلى عشر سنوات، يتم خلالها نزع سلاحها والتخلي عن السلطة السياسية في غزة، وهو ما وصفه بأنه “ليس عرضاً سيئاً”.
ورغم هذه الطمأنات، لم يتقبل المسؤولون الإسرائيليون تصريحاته، خاصة عندما قال إنه يعتقد أن قادة “حماس” هم “رجال لطفاء”، ما أثار استياءً واسعاً في الأوساط السياسية الإسرائيلية.
ترامب والموقف الأميركي المتذبذب
على الرغم من تأكيد بوهلر أن الرئيس الأميركي دونالد ترلامب وافق على المفاوضات مع “حماس” مسبقاً، إلا أنه تراجع لاحقاً عن هذا التصريح، موضحاً أن الموافقة جاءت من “مجموعة من الأشخاص” في البيت الأبيض، وليس من ترامب مباشرة.
هذا الغموض زاد من حالة الريبة لدى إسرائيل، خاصة مع التقارير التي تفيد بأن مبعوث ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، أعطى الضوء الأخضر للمحادثات، ما يعكس انقساماً داخل الإدارة الأميركية حول كيفية التعامل مع “حماس”.
هل تستمر المباحثات؟
بعد موجة الانتقادات، اضطر بوهلر إلى تصحيح موقفه عبر منصة “إكس”، قائلاً إن “حماس منظمة إرهابية قتلت آلاف الأبرياء”، في محاولة لامتصاص الغضب الإسرائيلي.
ومع ذلك، لا تزال الشكوك قائمة حول مستقبل هذه المباحثات، وما إذا كانت واشنطن ستواصل مساعيها أم أن إسرائيل نجحت في كبح هذه الجهود.
وفي ظل هذا المشهد المتشابك، يبقى السؤال الأهم: هل ستقبل إسرائيل بأي دور مستقبلي لـ”حماس” في غزة؟ أم أنها ستواصل الضغط على واشنطن لضمان استبعاد الحركة من أي ترتيبات مستقبلية؟ الإجابة ستتضح في الأسابيع المقبلة، مع استمرار التوتر بين تل أبيب وواشنطن بشأن إدارة هذا الملف الحساس.