
تخلى الجيش الإسرائيلي عن الموعد الأول لسحب قواته من جنوب لبنان في 27 يناير الماضي، بعد انتهاء وقف إطلاق النار الذي استمر لمدة ستين يوماً.
والآن، يساور القلق من تمديد الوجود الإسرائيلي في المنطقة بعد الموعد الثاني المقرر للانسحاب في 18 فبراير.
تقارير أفادت بأن إسرائيل تبني ما وصفته مصادر في بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان (اليونيفيل) بـ”القواعد الأمامية شبه الدائمة” على قمم التلال القريبة من الخط الأزرق، وهو الحدود التي تحددها الأمم المتحدة بين لبنان وإسرائيل.
لم تقدم إسرائيل أي تأكيد على ما إذا كانت ستواصل وجودها بعد 18 فبراير، لكنها وجهت انتقادات متكررة للجيش اللبناني بسبب ما وصفته بعدم قدرته على نزع سلاح حزب الله من المناطق الحدودية والانتشار الكامل فيها وفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ في 27 نوفمبر.
من جانبه يرى الجيش اللبناني أنه لا يمكنه الانتشار في القرى والبلدات إلا بعد مغادرة القوات الإسرائيلية.
ومنذ بدء وقف إطلاق النار، عزز الجيش اللبناني وجوده جنوب نهر الليطاني، وهي منطقة تقع بين 3 إلى 28 كيلومترًا من الخط الأزرق، حيث قال مراقبون إن الوضع أظهر “عزيمة واضحة”.
كما تمكن الجيش اللبناني من السيطرة على منشآت لحزب الله في المنطقة، بما في ذلك شبكة أنفاق ضخمة تحت الأرض، عُرضت في شريط فيديو لحزب الله في أغسطس الماضي.
في الوقت الذي استمر فيه وقف إطلاق النار لستين يوماً، واصل الجيش الإسرائيلي تدمير البنية التحتية لحزب الله، والكشف عن الأنفاق، ومصادرة الأسلحة والذخيرة على طول الحدود.
وفي هذا الإطار؛ دمّر الإسرائيليون مئات المنازل والطرق والمرافق العامة، وهو ما يراه البعض سياسة متعمدة لخلق منطقة غير صالحة للسكن قرب الحدود.
ومع انتهاء وقف إطلاق النار، عاد عشرات الآلاف من اللبنانيين إلى ديارهم، رغم تحذيرات الجيش الإسرائيلي لهم بالبقاء بعيدًا.
في اليوم ذاته، قُتل 22 لبنانيًا وأصيب 124 آخرون بنيران إسرائيلية أثناء توجههم إلى منازلهم.
وكانت العودة، رغم المخاطر، منظمة إلى حد كبير، حيث حمل العائدون صور “شهداء” حزب الله وأعلامه.
لم تقتصر التحركات الإسرائيلية على تدمير القرى، وقطع أشجار الزيتون، وبناء مواقع استيطانية شبه دائمة على التلال في المنطقة الحدودية الجنوبية، بل قامت أيضًا بتطبيق برنامج لإزالة الأوراق باستخدام مادة كيميائية على الأراضي اللبنانية قرب الخط الأزرق.
ووفقًا لمصادر في اليونيفيل، شوهدت طائرة صغيرة تطلق مادة كيميائية تزيل الغطاء النباتي، مما يمنح الإسرائيليين رؤية أفضل على الحدود. هذه الممارسات مشابهة لما يقوم به الجيش الإسرائيلي منذ عام 2014 على الحدود مع غزة.
وفي حال استمر وجود الجيش الإسرائيلي بعد 18 فبراير، سيتعرض حزب الله إلى معضلة استراتيجية.
لقد أصابت الحرب الأخيرة الردع المتبادل بين إسرائيل وحزب الله، وأصبحت إسرائيل الآن أكثر جرأة في مواجهة الحزب.
على سبيل المثال، أسقطت إسرائيل طائرة مسيرة مزعومة تابعة لحزب الله في 30 يناير، وهو ما يعكس تحولًا كبيرًا في السياسة الإسرائيلية، حيث كانت العمليات العسكرية ضد الحزب قبل أكتوبر 2023 تقتصر على الأراضي السورية.
وبحسب مصادر في اليونيفيل، تقوم إسرائيل بتشييد مواقع شبه دائمة في خمس مناطق مختلفة، من بينها مناطق على الخط الأزرق في جنوب لبنان.
المواقع تشمل هياكل خرسانية ومعدات تكنولوجية، وجرى تزويدها بحواجز حماية من الانفجارات. هذه المنشآت، كما يبدو، تهدف إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المرتفعة عبر الخط الأزرق، بينما تمنع حزب الله من العودة إلى الحدود.
لكن مثل هذه الخطوات قد تُعتبر استفزازًا واضحًا، إذ أن إسرائيل تتمتع بتغطية جوية شاملة في المنطقة ولا تحتاج إلى التواجد على الأرض للسيطرة على المنطقة.
إذا استمر الجيش الإسرائيلي في بناء وتوسيع هذه المواقع بعد 18 فبراير، سيتعين على حزب الله اتخاذ قرار بشأن كيفية الرد. وإذا هاجم الحزب هذه المواقع، من المحتمل أن ترد إسرائيل بقوة، ربما من خلال شن غارات جوية ضد أهداف تابعة لحزب الله في لبنان. ولكن إذا اختار الحزب عدم الرد، فإن ذلك قد يضر بمصداقيته ويضعف مكانته بين اللبنانيين.
من جهته، يفكر حزب الله في خيارات بديلة، مثل تنفيذ عمليات محدودة يتبناها تنظيمات محلية مجهولة، لإعطاء الانطباع بأنها أعمال مقاومة شعبية.
ورغم ذلك، يبقى من غير المرجح أن يُنفذ الحزب مثل هذه الهجمات في الوقت الراهن، خاصة في ظل التفاؤل الإسرائيلي بشأن الوضع الراهن.