
رغم التصعيد الإسرائيلي ضد الحوثيين، لا تزال دوائر القرار في تل أبيب أمام مفترق طرق بشأن كيفية التعامل مع الجماعة المدعومة من إيران.
ويبدو أن الخيارات المتاحة لم تحسم بعد، حيث يتباين الرأي بين تيار يدعو لمواجهة الحوثيين كما تم التعامل مع “حزب الله”، وآخر يفضل تبني سياسة “قطع رأس الأفعى” عبر ضرب إيران.
في تقريرها، تشير صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إلى أن “هناك غموضًا في طريقة التعامل مع مسألة إطلاق الحوثيين للصواريخ”، رغم أن إسرائيل قد تبنت أسلوبًا مشابهًا لذلك الذي اتبعته مع “حزب الله”، عبر استهداف البنية التحتية للجماعة.
وتضيف الصحيفة أن المرحلة القادمة قد تشهد محاولة لاستهداف قادة الحوثيين الكبار، تمامًا كما جرى مع قيادات حماس وحزب الله، لكن هذه التحركات قد لا تكون فعّالة في وقف الهجمات الحوثية بشكل كبير.
التحديات الجغرافية والاستخباراتية:
غياب الجدوى عن السياسات الإسرائيلية تجاه الحوثيين يُعزى جزئيًا إلى “الموقع الجغرافي البعيد للجماعة” وصعوبة الحصول على معلومات استخباراتية دقيقة عنها. حسب الصحيفة نفسها، يتخذ الحوثيون احتياطات مشددة مثل بناء مجمعات قيادية تحت الأرض، تجنب استخدام الهواتف المحمولة، وتغيير مخابئهم وتحركاتهم بانتظام، مما يزيد من تعقيد المهمة أمام إسرائيل.
بعض المتخصصين في مجال الأمن يفضلون أن تركز إسرائيل على “راعية الحوثيين”، أي إيران، التي تمثل تهديدًا استراتيجيًا طويل الأمد. من بين هؤلاء، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني غانتس، الذي يرى أن “الحل يكمن في طهران”، مستندًا إلى فرضية أن ضرب إيران قد يضعف الحوثيين، حتى وإن لم يؤدِ ذلك إلى وقف الهجمات بشكل كامل.
وفي هذا السياق، يرى يئيل جوزانسكي، الخبير في شؤون الخليج سابقًا في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أن “إيران في وضع غير مسبوق من الضعف”، ويؤكد أنه ينبغي لإسرائيل “استغلال هذه الفرصة قبل أن تستعيد إيران وحلفاؤها قوتهم”.
من جهة أخرى، يرى إبراهيم جلال، الباحث المتخصص في أمن الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن في مركز “كارنيغي”، أن “ضرب إيران مباشرة لن يحل أزمة الحوثيين”، ويشدد على أن المواجهة تتطلب مقاربة أكثر شمولية، تشمل “إعادة رسم خريطة النفوذ والسيطرة داخل اليمن وتمكين الحكومة اليمنية”.
ويؤكد جلال أن الحل يكمن في بناء دولة يمنية قوية، نظرًا لأن المجموعات المسلحة تنمو في فراغ الدولة والمؤسسات الدستورية.
وفي حديثه لـ”النهار”، أضاف جلال أن هذه المقاربة بحاجة إلى “رعاية إقليمية ودولية” لضمان الأمن والاستقرار داخل اليمن، مما سينعكس إيجابًا على الأمن الإقليمي وحماية خطوط الملاحة الدولية.
التحالفات الإقليمية والدولية.. الخيار الأفضل:
من جهة أخرى، يرى بعض المحللين أن الخيار الأمثل لإسرائيل قد يكون في “بناء” تحالف إقليمي بقيادة الولايات المتحدة، يشمل دول الخليج لمواجهة الحوثيين بشكل مشترك.
ويشير الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألون بينكاس إلى أن الحوثيين يمثلون تهديدًا للتجارة الدولية، وينبغي على إسرائيل أن تركز على التعاون مع الدول الكبرى بدلاً من التورط منفردة، قائلاً: “إذا تصرفت إسرائيل بمفردها، فإنها تخاطر بتحويل مشكلة دولية إلى مسؤوليتها الوحيدة”، مؤكدًا أن “إسرائيل قد تعمل على تحويل هذه المشكلة إلى قضية محلية”.
إلا أن جلال لا يتفق مع هذا الرأي، حيث يعتبر أن “المقاربات الأميركية والبريطانية، وخاصة الإسرائيلية، فاشلة”، مضيفًا أن التحالفات الدولية الدفاعية هشة ولا تعالج جذور التهديدات في سياقها الاستراتيجي، مشيرًا إلى أن التحالف الأميركي – البريطاني لم يُحقق نتائج ملموسة في مواجهة الحوثيين.
إسرائيل أمام خيارين: التصعيد أو استهداف إيران
في النهاية، تبدو إسرائيل أمام خيارين رئيسيين. الأول هو الاستمرار في تصعيد الهجمات ضد الحوثيين وتوسيع رقعة القصف، والثاني هو استهداف “الأصيل بدل الوكيل”، بمعنى ضرب إيران باعتبارها الداعم الرئيس للحوثيين.
قد تتبنى إسرائيل خيارًا ثالثًا يجمع بين الخيارين، حيث تستمر في الهجمات ضد الحوثيين بينما تشن هجمات جديدة ضد إيران، وهو ما يبدو خيارًا غير مستبعد بالنظر إلى مساعي إسرائيل لتغيير المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط.