من سيحكم غزة بعد الحرب؟ تحديات وفرص ما بعد وقف إطلاق النار

سلطت الباحثة ديلاني سوليداي، المساعدة في برنامج أمن الشرق الأوسط بمركز الأمن الأمريكي الجديد، الضوء على القضية الشائكة المتعلقة بمستقبل حكم غزة بعد وقف إطلاق النار الأخير بين إسرائيل وحماس. وأكدت في مقال نشرته مجلة ناشونال إنترست أن غياب إصلاحات جوهرية في السلطة الفلسطينية سيجعل من الصعب فرض سيطرتها على القطاع، مما قد يسمح لحماس بالحفاظ على وجودها.
التحديات الفورية بعد وقف إطلاق النار
كان اتفاق وقف إطلاق النار خطوة حاسمة في إنهاء الصراع النشط وإطلاق سراح الرهائن، لكنه لم يقدم حلولًا دائمة لمسائل حيوية مثل إعادة الإعمار، والتعافي الاقتصادي، وترتيبات الحكم في غزة. وتشير سوليداي إلى أن المفاوضين ركزوا على القضايا العاجلة، بينما تم تأجيل النقاش حول المستقبل السياسي للقطاع، مما يترك سؤالًا مفتوحًا: من سيحكم غزة بعد الحرب؟
عقبات أمام إقامة حكم جديد
تطرقت الكاتبة إلى عدة تحديات تعيق إنشاء سلطة جديدة في غزة، أبرزها:
استمرار وجود حماس: رغم العمليات العسكرية التي استهدفت تقويض نفوذها، لا تزال حماس تحافظ على حضور قوي داخل القطاع.
فقدان الثقة في السلطة الفلسطينية: تعاني السلطة من تراجع شعبيتها بين الفلسطينيين، بينما ينظر الإسرائيليون إليها بعين الشك، مما يضعف قدرتها على استعادة السيطرة.
معارضة إسرائيلية داخلية: يعرقل بعض السياسيين الإسرائيليين، مثل إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، أي جهود لتمكين السلطة الفلسطينية من الحكم، ويدفعون بدلًا من ذلك نحو سياسات أكثر تطرفًا، مثل ترحيل السكان الفلسطينيين إلى الدول المجاورة.
وتشير الكاتبة إلى أن حتى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اقترح أن تتولى الولايات المتحدة إدارة غزة وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، وهو اقتراح يثير الجدل ويعكس غياب خطة واضحة للحكم المستقبلي للقطاع.
إصلاح السلطة الفلسطينية: ضرورة أم خيار؟
ترى سوليداي أن السماح للسلطة الفلسطينية، بعد إصلاحها، بالعودة إلى حكم غزة هو الخيار الأكثر واقعية لتحقيق استقرار طويل الأمد. وتدعو واشنطن إلى الضغط على إسرائيل لقبول هذا المسار باعتباره يخدم مصالحها الأمنية.
وتحذر من أن الترحيل القسري للفلسطينيين أو استمرار حماس في السيطرة سيؤديان إلى مزيد من الفوضى والصراعات. ولذلك، توصي بأن تتعاون الولايات المتحدة مع شركائها الخليجيين وحلفاء آخرين في العالم العربي لإنشاء بعثة دولية لحفظ السلام في غزة، تتولى ضمان تنفيذ وقف إطلاق النار، والإشراف على إصلاحات السلطة الفلسطينية، وتمهيد الطريق لانتقال سلس للحكم.
الوضع الحالي: هل تملأ حماس الفراغ؟
رغم الضربات العسكرية التي تعرضت لها، لا تزال حماس تحتفظ ببنية تنظيمية قوية داخل غزة. وتتيح لها ترتيبات وقف إطلاق النار الإشراف على الأمن الداخلي، وتنسيق توزيع المساعدات، وإدارة شؤون الحياة اليومية، ما يمنحها فرصة لإعادة بناء نفوذها.
وتحذر الكاتبة من أن غياب سلطة فلسطينية فعالة سيؤدي إلى استغلال حماس لأي فراغ أمني، مما يزيد من احتمال تجدد العنف وعدم الاستقرار في المستقبل القريب.
إصلاحات السلطة الفلسطينية: مفتاح الحل؟
تؤكد الكاتبة أن إصلاح السلطة الفلسطينية هو شرط أساسي لنجاح أي خطة لإعادة إدارتها لغزة. فحاليًا، تكافح السلطة بقيادة محمود عباس لإدارة الضفة الغربية، بينما تفتقر إلى الإمكانيات اللازمة لإعادة إعمار غزة.
وتدعو سوليداي إلى أن تمارس الولايات المتحدة ضغطًا على عباس لإفساح المجال أمام قيادة جديدة قادرة على تنفيذ إصلاحات جوهرية، بما يعزز شرعية السلطة الفلسطينية داخليًا، ويعيد بناء ثقة الفلسطينيين بها، ويحسن علاقتها مع إسرائيل.
دور المجتمع الدولي في تحقيق الاستقرار
ترى الكاتبة أن الحل الأكثر استدامة يتمثل في تشكيل بعثة دولية لحفظ السلام، تتألف من قوى عربية ودولية، للإشراف على إعادة الإعمار واستعادة الأمن. ويمكن لهذه البعثة أن تعمل وفق تفويض زمني محدد، يهدف إلى تمهيد الطريق أمام السلطة الفلسطينية لتولي الحكم بشكل كامل، دون أن يُنظر إليها كقوة احتلال أجنبية.
السيناريوهات المحتملة
- نجاح السلطة الفلسطينية في استعادة السيطرة
إذا تم تنفيذ الإصلاحات اللازمة وحصلت السلطة على الدعم الدولي الكافي، فقد تتمكن من بسط نفوذها في غزة، ما قد يساهم في استقرار المنطقة وتحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين. - استمرار حماس في ملء الفراغ
في حال فشل جهود إعادة السلطة إلى غزة، فمن المرجح أن تستعيد حماس سيطرتها الكاملة، ما قد يؤدي إلى جولة جديدة من الصراع مع إسرائيل، خاصة إذا تلقت دعمًا خارجيًا مكثفًا. - تدخل دولي أوسع نطاقًا
قد تضطر الولايات المتحدة وشركاؤها إلى توسيع نطاق التدخل الدولي، سواء عبر إرسال قوات حفظ سلام أو عبر آليات ضغط دبلوماسي واقتصادي أكثر قوة على جميع الأطراف.
هل ستنجح السلطة الفلسطينية في حكم غزة؟
تخلص سوليداي إلى أن إزالة حماس من الحكم بشكل دائم لن يتحقق بالقوة العسكرية وحدها، بل يتطلب خطة شاملة تجمع بين الإصلاح السياسي، والدعم الدولي، والتنمية الاقتصادية.
وترى أن الولايات المتحدة، إلى جانب الشركاء الإقليميين، يجب أن تعمل على دعم عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة بطريقة مدروسة، مع ضمان تنفيذ إصلاحات عميقة تعزز من شرعيتها وقدرتها على الحكم، لأن ذلك وحده هو الضمان لمنع تجدد العنف وتحقيق مستقبل أكثر استقرارًا للفلسطينيين.