Podcast Icon
سياسة
أخر الأخبار

مقترحات ترامب بشأن غزة.. أزمات مرتقبة (تحليل أمريكي)

في خطوة مفاجئة، وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قضية غزة على رأس أولويات السياسة الخارجية، من خلال اقتراحه الجريء لبناء “ريفييرا غزة”، والذي أثار جدلاً واسعًا.

فوفقًا لتصريحاته الأخيرة، دعا ترامب الفلسطينيين إلى مغادرة القطاع مؤقتًا أثناء إعادة الإعمار، مقترحًا على مصر والأردن استضافتهم خلال تلك الفترة.

كما أنه لم يتمسك بحل الدولتين للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، متجاوزًا بذلك سياسة أمريكية دامت لعقود.

ولم تتوقف تصريحات ترامب عند هذا الحد، إذ أبدى استعداده لإرسال قوات أمريكية للإشراف على إعادة إعمار القطاع.

إلا أن فريقه سارع في اليوم التالي إلى التراجع عن فكرة الالتزامات العسكرية ونفى وجود أي تمويل أمريكي مخصص للمشروع، في حين تمسك الرئيس بمبدأ “الملكية” الأمريكية للعملية.

عوائق قانونية وإنسانية أمام المقترح:

دينيس روس المسؤول الأمريكي ونائب وزير الدفاع السابق، تناول بالتحليل آثار هذا المقترح، رغم أنه تفاصيل خطة ترامب لا تزال غير واضحة.

لكنه أكد أن القانون الدولي يمنع التهجير القسري إلا في حالات الضرورة العسكرية، وهو ما لا ينطبق على الوضع في غزة.

وعلى الرغم من تأكيد البيت الأبيض أن مغادرة الفلسطينيين ستكون طوعية، إلا أن هناك مخاوف جدية من أن بعضهم سيجدون أنفسهم أمام خيار صعب بين البقاء في قطاع مدمر أو الرحيل إلى مستقبل مجهول.

تعتمد قدرة الخطة على النجاح على استعداد الدول المستضيفة لقبول النازحين، إضافة إلى ضمانات فعلية لحقهم في العودة لاحقًا.

كما أن تنفيذ الخطة قد يواجه معارضة شرسة من سكان غزة أنفسهم، مما يخلق تحديات قانونية وسياسية كبيرة.

حلول بديلة:

يبدو أن ترامب، بعد اطلاعه على تقارير مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف حول الوضع في غزة، توصل إلى قناعة بأن إعادة الإعمار ستكون مستحيلة إذا بقي السكان داخل القطاع وظلت الحدود مغلقة.

لذا، لجأ إلى استراتيجيته المعتادة في المفاوضات، حيث يزيد الضغوط ويضع الآخرين أمام مسؤولية إيجاد حلول بديلة.

إعلان ترامب العلني عن مقترحه يبدو وكأنه اختبار للدول العربية، لإجبارها على توضيح أسباب رفضها للحل المقترح.

ومع ذلك، لم يكن من المفاجئ أن ترفض الجامعة العربية والفلسطينيون هذه الفكرة، بينما أكدت السعودية أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل لا يزال مرتبطًا بإقامة دولة فلسطينية.

لكن ترامب لا يكتفي بالرفض العربي، بل يريد من القادة العرب تقديم بدائل واقعية لإعادة إعمار غزة دون الحاجة إلى تهجير سكانها.

كما أنه لن يقبل بمجرد مؤتمرات مانحين جديدة ما لم تكن مصحوبة بإجراءات ملموسة على الأرض.

فرصة لإسرائيل أم مخاطرة؟

من جهة أخرى، خفف ترامب الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكنه في الوقت نفسه أطلق موجة جديدة من الجدل داخل إسرائيل.

فقد استغلت الجماعات اليمينية تصريحاته للدعوة إلى ضم الضفة الغربية فورًا، مما وضع نتنياهو في موقف حرج.

وعلى الرغم من دعم ترامب لإسرائيل، فإنه من غير المرجح أن يوافق على الضم، إذ إن ذلك قد يعرقل هدفه الأهم: التطبيع السعودي-الإسرائيلي. فالرياض، على عكس الإمارات في 2020، تطالب بخطوات فعلية نحو إقامة دولة فلسطينية، وليس مجرد تجميد خطط الضم.

علاوة على ذلك، يحمل المقترح مخاطر أمنية، إذ قد يؤدي إلى انهيار وقف إطلاق النار في غزة وتعقيد مفاوضات إطلاق سراح الرهائن، فقد رفضت حماس الفكرة فورًا، مما يزيد احتمالات التصعيد مجددًا.

مصر والأردن في دائرة الضوء:

تكتسب القمة المرتقبة بين ترامب والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني (المقررة في 11 فبراير) أهمية كبرى، خاصة في ظل تجميد المساعدات الأمريكية للأردن.

ومن المتوقع أيضًا عقد اجتماع مماثل مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وسط تساؤلات حول مستقبل المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر.

يواجه كلا البلدين تحديات اقتصادية وأمنية حادة، وهما يعارضان بشكل قاطع استيعاب المزيد من اللاجئين الفلسطينيين، نظرًا للتأثيرات المحتملة على استقرارهما الداخلي.

ومع ذلك، فإنهما يدركان أيضًا الحاجة إلى تقديم بدائل واقعية، لضمان استمرار الدعم الأمريكي.

ما المطلوب لإنجاح أي خطة لغزة؟

يواجه ترامب والقادة العرب وإسرائيل معضلة حقيقية في إيجاد حل عملي للوضع في غزة.

وحتى ينجح أي مقترح، يجب أن يشمل الخطوات التالية:

– إدانة هجوم 7 أكتوبر:

على القادة العرب إعلان موقف واضح ضد الهجمات التي نفذتها حماس، والتأكيد على أن الحركة لن تلعب دورًا مستقبليًا في حكم القطاع.

– إصلاح السلطة الفلسطينية:

دعم جهود إصلاح حقيقي داخل السلطة الفلسطينية لتصبح بديلاً قادرًا على إدارة غزة.

– التعاون الأمني والإداري:

تشكيل تحالف عربي (يضم مصر، الأردن، السعودية، الإمارات، وقطر) للإشراف على استقرار القطاع وإعادة تأهيله اقتصاديًا وإدارته خلال مرحلة ما بعد الحرب.

في النهاية، فإن مقترح ترامب حول غزة، رغم ما يحمله من إثارة للجدل، دفع القضية إلى صدارة المشهد السياسي الدولي بعد أشهر من الجمود.

لكن نجاح أي مبادرة يتوقف على تقديم حلول عملية من القادة العرب، وليس مجرد رفض المقترح. فالمطلوب اليوم هو الانتقال من “لا” إلى “نعم، ولكن بشروط”، لضمان استقرار غزة ومستقبلها في مرحلة ما بعد الحرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى