مسيحيو سوريا بين مطرقة الاستبداد وسندان التطرف.. معركة البقاء في وطن ممزق

مع انطلاق “قمة الحرية الدينية الدولية” في واشنطن العاصمة، تتزايد الضغوط من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان لحماية الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، وسط تعقيدات المشهد السياسي المتغير. ومن بين الحاضرين، كان البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، في إشارة إلى الأهمية البالغة لحماية المجتمعات المسيحية في سوريا، وفق ما أشار إليه رئيس ومؤسس المنظمة العالمية لحقوق الإنسان ADFA في مقاله بمجلة أمريكية متخصصة.
ما بعد الأسد.. مصير المسيحيين بين المجهول والمخاوف
قبل شهرين، احتفلت المنظمة العالمية لحقوق الإنسان بمرور عشر سنوات على تأسيسها في السويد، لكن أجواء المناسبة أفسدتها الأخبار القادمة من سوريا، حيث سيطر المتمردون على بعض المناطق عقب رحيل نظام الأسد، ما أجبر العديد من المسيحيين على الاختباء خوفًا من المستقبل المجهول.
كان هذا الخوف نابعًا من التجارب السابقة مع الفصائل الجهادية مثل “هيئة تحرير الشام” وارتباطاتها السابقة بتنظيمي “داعش” و”القاعدة”. ورغم أن المتمردين أعلنوا لاحقًا التزامهم بالمساواة في الحقوق، إلا أن الشكوك استمرت، ما دفع بعض المسيحيين إلى العودة بحذر للاحتفال بعيد الميلاد، لكن مستقبلهم ظل غامضًا في سوريا التي تحكمها الآن فصائل متناحرة.
الاضطهاد من جبهتين.. بين الاستبداد والتطرف
يرى الكاتب أن محنة المسيحيين في سوريا ليست وليدة الأحداث الأخيرة، فهم تعرضوا للقمع سواء في ظل حكم الأسد أو على يد الفصائل المتطرفة التي خلفته. ومن بين القصص المؤلمة التي تسلط الضوء على هذه المعاناة، يبرز رزوق، اللاجئ السوري الذي فرّ من البلاد بعد تعرضه للاضطهاد على يد قوات الأمن التابعة للأسد، ثم وجد نفسه مستهدفًا من قبل المتشددين الأصوليين. المأساة لم تتوقف هنا، فقد فقد زوجته وبناته، اللاتي غرقن أثناء محاولتهن الفرار عبر طرق التهريب بحثًا عن الأمان.
هذه القصة ليست استثناءً، بل تعكس التهديد المزدوج الذي يواجهه المسيحيون في سوريا، حيث يجدون أنفسهم عالقين بين القمع الأمني والاضطهاد الديني على حد سواء.
تفكيك الرواية المؤيدة للأسد
هناك اعتقاد شائع بأن المسيحيين في سوريا كانوا مؤيدين بشكل مطلق لنظام الأسد، لكن الكاتب يدحض هذا الادعاء، مشيرًا إلى أن العديد منهم شاركوا في المعارضة منذ الأيام الأولى للثورة السورية.
منذ عام 2011، انضمت “المنظمة الديمقراطية الآشورية” إلى “الائتلاف السوري المعارض”، في موقف واضح ضد نظام الأسد.
قاد شخصيات مسيحية بارزة مثل جورج صبرا حراك المعارضة ولعبوا أدوارًا قيادية.
تحالف “حزب الاتحاد السرياني” مع “قوات سوريا الديمقراطية”، المدعومة من الولايات المتحدة، لمواجهة كلٍّ من نظام الأسد وتنظيم داعش.
في عام 2012، اقتحم نشطاء “حزب الاتحاد السرياني” السفارة السورية في ستوكهولم احتجاجًا على قمع النظام.
كما دفع رجال الدين المسيحيون ثمن مواقفهم، حيث اختُطف رئيس أساقفة الروم الأرثوذكس بولس يازجي ورئيس أساقفة السريان الأرثوذكس يوحنا إبراهيم في حلب، وما يزال مصيرهما مجهولًا حتى اليوم، وسط تساؤلات حول دور النظام السوري في اختفائهما بسبب انتقاداتهما لحكم الأسد.
المقاتلون المسيحيون في الثورة السورية
على عكس الرواية القائلة بأن المعارضة كانت حكرًا على السنة، يؤكد الكاتب أن مقاتلين مسيحيين شاركوا في القتال ضد نظام الأسد.
انضم بعض المسيحيين إلى “الجيش السوري الحر”، الذي كان في بداياته تحالفًا علمانيًا يضم السنة والأكراد والدروز.
واصل ناشطون مسيحيون مثل عبد الأحد أستيفو وسنحاريب ميرزا الدعوة إلى سوريا ديمقراطية تعددية.
التأثير المدمر للحرب على المجتمع المسيحي
قبل عام 2011، كانت سوريا موطنًا لحوالي 1.5 مليون مسيحي، أما اليوم، فقد تقلص العدد إلى أقل من 300 ألف. لم تكن هذه الهجرة نتاج حدث واحد، بل جاءت نتيجة سلسلة من الكوارث التي تعرضت لها المجتمعات المسيحية على يد أطراف متعددة. “داعش” والفصائل التابعة له نفذوا عمليات تطهير عرقي بحق الآشوريين في الخابور، والأرمن في كسب، والسريان في حمص.
حتى المسيحيون الأرثوذكس اليونانيون، وهم أكبر طائفة مسيحية في سوريا، لم يسلموا من المعاناة تحت حكم المتمردين في بعض المناطق.
المناصرة الدولية.. هل ستنجح في حماية مسيحيي سوريا؟
يدعو الكاتب إلى تحرك دولي أكثر فاعلية لحماية المسيحيين في سوريا، مشيرًا إلى توصيات بحثية قُدمت خلال “قمة الحرية الدينية الدولية”، والتي طالبت بضرورة: ضمان المساواة في الحقوق لجميع الأقليات، بما في ذلك المسيحيون، والدروز، والعلويون.
التركيز على حقوق المرأة كجزء أساسي من تحقيق الاستقرار المستقبلي لسوريا.
سنّ قوانين لحماية الأقليات من الاضطهاد الديني والعرقي، والاعتراف بحقوقهم الثقافية والتاريخية.
معركة البقاء.. لحظة حاسمة لمسيحيي سوريا
يختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن مصير المسيحيين في سوريا لا يمكن تجاهله، فهم لم يبدأوا معاناتهم مع سيطرة المتمردين، ولم يكن الأسد حاميًا لهم كما يروج البعض. على العكس، دفعوا ثمنًا باهظًا في صراع لم يميز بينهم وبين غيرهم من المدنيين.
اليوم، وبينما تشهد سوريا تحولات سياسية جديدة، يجب على المجتمع الدولي ضمان عدم تكرار أخطاء الماضي، وأن يُمنح المسيحيون السوريون حقهم في المواطنة المتساوية ضمن دولة تعددية وديمقراطية. وفي واشنطن، يأمل المدافعون عن حقوق الإنسان أن يتخذ صانعو القرار الأمريكيون خطوات ملموسة لحماية هذه الأقلية، وتأمين مستقبلها في وطنها التاريخي.