
شهدت الساحة السياسية العربية خلافاً جديداً بين جامعة الدول العربية وحركة “حماس” حول مستقبل قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.
فقد صرح مسؤول بارز في الجامعة بأن “مصلحة الشعب الفلسطيني تقتضي خروج حماس من المشهد في القطاع”، وهو ما قوبل برفض حاد من الحركة التي اعتبرت هذه التصريحات غير مبررة، مؤكدة أنها أبدت مرونة في مقترحات إدارة القطاع.
تصريحات مثيرة للجدل
جاء الجدل بعد تصريحات أدلى بها الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، لإحدى القنوات الفضائية المصرية، حيث قال إن “المصلحة الفلسطينية تقتضي خروج حماس من المشهد”.
هذه التصريحات أثارت حفيظة الحركة التي ردت ببيان رسمي، الجمعة، عبر المتحدث باسمها حازم قاسم، الذي قال إن “حماس تستغرب هذه التصريحات”، مشدداً على أن الحركة وافقت على تشكيل حكومة توافق وطني، وكذلك قبلت بالطرح المصري بشأن “لجنة الإسناد المجتمعي”، ما يعكس رغبتها في تحقيق توافق وطني حول إدارة القطاع.
وأكد قاسم أن “حماس ستواصل وضع مصلحة الشعب الفلسطيني في صلب جميع قراراتها المتعلقة بالوضع في غزة بعد الحرب، ضمن إطار التوافق الوطني، بعيداً عن أي تدخلات من قبل الاحتلال أو الولايات المتحدة”، داعياً جامعة الدول العربية إلى دعم هذا الموقف وعدم السماح بتمرير أي مشاريع قد تهدد الأمن القومي العربي.
موقف دبلوماسي متباين
في سياق متصل، قال السفير معتز أحمدين، سفير مصر السابق لدى الأمم المتحدة، لصحيفة الشرق الأوسط إن رد “حماس” متوقع، إذ يتماشى مع موقفها المُعلن مراراً بعدم تمسكها بالحكم في غزة بعد الحرب، مع عدم التنازل عن “حق المقاومة”، مشيراً إلى أن “عدم المشاركة في الحكم لا يعني الخروج من غزة”.
وأوضح أحمدين أن “حماس ربما فهمت تصريح حسام زكي على أنه استجابة من جامعة الدول العربية للمخطط الإسرائيلي – الأميركي الذي يهدف إلى القضاء على الحركة وإنهاء وجودها في غزة”. وأضاف أن “الطرح العربي وحتى الأميركي – قبل مجيء دونالد ترامب – الذي تم بموجبه التوصل إلى هدنة وقف إطلاق النار، لم يشِر إلى إخراج حماس من غزة، لكنه تحدث فقط عن عدم وجود دور لها في الحكم، في حين تسعى إسرائيل الآن إلى تغيير هذا الطرح والمطالبة بالقضاء على حماس كلياً”.
ضغوط دولية وإقليمية
تصر كل من إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية على استبعاد “حماس” من أي دور مستقبلي في قطاع غزة، وهو ما تدعمه بعض الأطراف العربية أيضاً. ومع ذلك، يواجه اتفاق وقف إطلاق النار تهديدات مستمرة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، مما يضع الوسطاء أمام تحديات كبيرة لضمان استمرار الهدنة.
وفي هذا السياق، كشف مصدر مصري مطلع على مفاوضات وقف إطلاق النار لـ الشرق الأوسط عن وجود “اتصالات مصرية مكثفة لتشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على عملية إغاثة القطاع وإعادة إعماره”. وأشار إلى أن “حماس أبلغت الوسطاء في مصر وقطر بموافقتها على أي طرح يقضي بإدارة القطاع دون مشاركتها في الإدارة”.
مواقف عربية متباينة
من جانبه، قال السفير رخا أحمد حسن، عضو “المجلس المصري للشؤون الخارجية”، إن “تصريح حسام زكي لم يكن موفقاً، لأن هناك تبايناً في المواقف العربية، فبينما يوجد إجماع على عدم مشاركة حماس في الحكم، لا يوجد موقف موحد يطالب بخروجها من غزة تماماً”.
وأضاف حسن أن “الجميع يدرك أن مطالبة حركة تقاتل منذ أكثر من عام ونصف العام بالخروج فوراً من غزة ليس منطقياً أو واقعياً”، مشيراً إلى أن “مصر قدمت مقترح (لجنة الإسناد المجتمعي) التي يمكن أن تتشكل بموافقة الفصائل، لكن دون مشاركتها المباشرة”.
وشدد حسن على أن “خروج حماس من المشهد هو مطلب إسرائيلي، ويستخدم كذريعة لتعطيل تنفيذ اتفاق الهدنة، الذي لا ينص على ذلك من الأساس”، مضيفاً أن “تحقيق هذا السيناريو قد يكون ممكناً فقط من خلال إقامة دولة فلسطينية موحدة لا دور للفصائل فيها”.
خلاف لن يؤثر على المفاوضات
أكد دبلوماسيون سابقون لـ الشرق الأوسط أن هذا الخلاف هو “خلاف في تفسير التصريحات وليس صراعاً سياسياً واسع النطاق”، مستبعدين أن يتسبب في تعطيل المفاوضات الجارية بشأن مستقبل غزة. وأكد السفير رخا أحمد حسن أن “الرد الحمساوي كان طبيعياً، لأن الحديث عن إخراجها من غزة ليس وارداً في اتفاق وقف إطلاق النار”، مشيراً إلى أن “هذا الخلاف سيبقى في الإطار العربي ولن يؤثر بشكل كبير على مسار تنفيذ الهدنة”.