
تشهد الحدود السورية اللبنانية تطورات متسارعة، في ظل اشتباكات متجددة وتغيرات جيوسياسية أعادت رسم المشهد الأمني في المنطقة.
في هذا السياق، أجرت مدوّنة “ديوان” التابعة لمركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط، مقابلة مع الباحث خضر خضّور، المتخصص في العلاقات المدنية العسكرية والهويات المحلية في المشرق العربي، للحديث عن التغيرات الحاصلة وتأثيرها على حزب الله.
تغيرات في معادلة السيطرة الحدودية
يرى خضّور أن سقوط نظام الأسد في سوريا كان له تأثير بالغ على المشهد الحدودي.
فمع تصاعد الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع استراتيجية، ومن بينها معابر رسمية، ضعف نفوذ حزب الله في تلك المناطق.
كما أدى انهيار النظام إلى إعادة تشكيل السيطرة الميدانية، حيث فرضت الجماعات المرتبطة بهيئة تحرير الشام وجودها على الحدود، محلّ مقاتلي حزب الله وقوات الجيش السوري السابق.
اشتباكات الهرمل والقصير:
اندلعت مؤخراً مواجهات عنيفة في منطقتي القصير السورية والهرمل اللبنانية، وهو ما يربطه خضّور بالعامل الديموغرافي، حيث تتداخل القرى الشيعية والسنية في تلك المناطق.
ويشير إلى أن حزب الله الذي دخل إلى سوريا عبر القصير عام 2013، يواجه اليوم تحديات كبيرة، خاصة في المناطق الواقعة غرب نهر العاصي.
وهناك، تدور المعارك بين مقاتلي هيئة تحرير الشام وعشائر شيعية لبنانية، ما يعكس استمرار التوترات الطائفية التي تفجرت منذ بداية الحرب السورية.
التهريب: معضلة متواصلة
لطالما شكل التهريب عاملاً أساسياً في ديناميكيات الحدود السورية اللبنانية، ويشير خضّور إلى وجود نوعين من التهريب: الأول اقتصادي يشمل سلعاً أساسية مثل المحروقات والدواجن، والتي يتم نقلها من لبنان إلى سوريا بسبب فروقات الأسعار.
أما النوع الثاني فهو تهريب سياسي يضم الأسلحة والمخدرات والأفراد. ومع سقوط نظام الأسد، تراجع هذا النوع من التهريب بسبب تراجع قدرة حزب الله على تشغيل شبكاته الحدودية.
بين الضغوط الإقليمية والمحلية
يواجه حزب الله حالياً وضعاً معقداً، إذ يجد نفسه محاصراً بين الجيش اللبناني من جهة، والجماعات المسلحة على الجانب السوري من الحدود من جهة أخرى.
ورغم ذلك، لا يزال الحزب يتمتع بنفوذ كبير في منطقة البقاع والقرى الشيعية الحدودية. ويرى خضّور أن مستقبل أنشطة الحزب في تلك المنطقة مرهون بتطورات الوضع السياسي في لبنان، إلى جانب استمرار الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف بنيته التحتية العسكرية والاقتصادية.
القيادة السورية الجديدة
يثير وصول قيادة جديدة في دمشق ذات جذور جهادية سلفية مخاوف في الأوساط اللبنانية، خاصة فيما يتعلق بإمكانية امتداد تأثيرها إلى الداخل اللبناني.
ويرى خضّور أن التحولات الأيديولوجية في سوريا قد تعيد تشكيل العلاقات بين البلدين، مشيراً إلى أن الهوية السنية الجديدة للنظام السوري تمثل رداً على النفوذ الشيعي الذي امتد في العقود الماضية.
كما أن الفراغ الأمني الذي خلفه تراجع “محور المقاومة” قد يؤدي إلى تنامي نفوذ الجماعات الجهادية، مما قد يؤجج التوترات الطائفية في لبنان، خصوصاً في مناطق مثل زحلة والبقاع الشمالي.
هل يشهد لبنان تصعيدًا جديدًا؟
يؤكد خضّور أن الاستقرار في لبنان سيظل هشًا ما دامت سوريا تعيش حالة من عدم الاستقرار.
ففي ظل استمرار التصعيد على الحدود، وتنامي التوترات الطائفية، قد يجد لبنان نفسه أمام مشهد أكثر تعقيدًا، مما يستدعي رؤية سياسية واضحة واستراتيجية أمنية محكمة لتجنب الانزلاق نحو مزيد من التوترات.