Podcast Icon
سياسة
أخر الأخبار

لماذا لا تعود صناعة الشحن إلى البحر الأحمر؟ قراءة في التحديات الاستراتيجية

رغم الضربات العسكرية التي وجهتها الولايات المتحدة إلى ميليشيا الحوثي في اليمن، لا تزال شركات الشحن الكبرى مترددة في العودة إلى استخدام ممر البحر الأحمر وقناة السويس.

وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى فعالية الإجراءات العسكرية في استعادة استقرار التجارة البحرية.

التكلفة الاقتصادية للمسار البديل

لأكثر من عام، تجنبت شركات الشحن الدولية المرور عبر البحر الأحمر بسبب الهجمات الحوثية، واتجهت بدلاً من ذلك إلى الطريق الأطول عبر رأس الرجاء الصالح، مما أضاف حوالي 3500 ميل بحري وزيادة في زمن الرحلة بنحو 10 أيام.

ورغم هذه التحديات، تكيفت الصناعة البحرية مع الوضع الجديد، بل استفادت من ارتفاع تكاليف الشحن، مما أدى إلى زيادة أرباح العديد من الشركات.

ويشير مسؤولون في قطاع النقل البحري إلى أن العودة إلى البحر الأحمر لن تحدث إلا بعد التوصل إلى اتفاق سلام شامل يشمل الحوثيين، أو في حالة هزيمتهم الحاسمة عسكريًا.

فقد أكد الرئيس التنفيذي لشركة “ميرسك”، فينسنت كليرك، أن أي عودة للمسار القديم تتطلب “إما القضاء على القدرات الهجومية للحوثيين تمامًا، أو التوصل إلى اتفاق واضح يضمن الأمن البحري”.

محدودية تأثير الضربات العسكرية

على الرغم من الضربات الأمريكية الموسعة، لا تزال شركات مثل “ميرسك” و”MSC” متمسكة بالمسار الأطول حول أفريقيا.

ويرى خبراء أن الاعتماد على القوة العسكرية وحدها قد لا يكون كافيًا لإزالة التهديدات الحوثية بشكل دائم، خاصة وأن الجماعة أظهرت مرونة في مواجهة عمليات عسكرية سابقة.

جاك كينيدي، رئيس إدارة مخاطر الدول في الشرق الأوسط لدى “ستاندرد آند بورز”، يرى أن “الحل العسكري وحده، وخصوصًا إذا اقتصر على الضربات الجوية، من غير المرجح أن يحقق استقرارًا طويل الأمد في البحر الأحمر”.

تراجع الهجمات الحوثية لكن الحذر مستمر

تراجعت الهجمات على السفن التجارية بشكل ملحوظ منذ وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في يناير 2024، وفقًا لمصادر تحليل البيانات البحرية.

ومع ذلك، لم تشجع هذه التهدئة المؤقتة كبرى شركات الشحن على العودة، حيث لا تزال المخاوف قائمة بشأن احتمال استئناف الهجمات في أي لحظة.

وفي فبراير، عبرت 200 سفينة حاويات فقط مضيق باب المندب، مقارنة بأكثر من 500 سفينة قبل بدء الهجمات الحوثية، مما يعكس استمرار الحذر في قطاع الشحن.

وفي حين أن بعض الشركات مثل “CMA CGM” الفرنسية بدأت تعيد بعض سفنها إلى البحر الأحمر، إلا أن وجودها ما زال محدودًا.

مكاسب المسار البديل

إحدى العقبات الرئيسية أمام العودة إلى البحر الأحمر هي أن الطريق البديل عبر أفريقيا أثبت فائدته المالية لشركات الشحن.

فرغم ارتفاع التكاليف التشغيلية، أدى إطالة المسافة إلى زيادة الطلب على السفن، مما دعم أسعار الشحن ومنع انخفاضها المتوقع بسبب زيادة المعروض من السفن الجديدة.

وأشارت تقارير مالية إلى أن “ميرسك” تتوقع تحقيق أرباح أعلى إذا ظل المسار عبر رأس الرجاء الصالح مستخدمًا حتى نهاية العام، مقارنة بعودة سريعة إلى البحر الأحمر.

كما أن أسعار الشحن من آسيا إلى شمال أوروبا بدأت في التراجع مع انخفاض الطلب على السلع، مما يعزز تردد الشركات في المخاطرة بتغيير استراتيجيتها مرة أخرى.

مستقبل الشحن في البحر الأحمر

بينما تواصل الولايات المتحدة جهودها لاحتواء الحوثيين، تبقى العودة إلى البحر الأحمر رهينة بتطورات الوضع الأمني والسياسي في المنطقة.

ويبدو أن شركات الشحن ستظل متمسكة بالمسار الأطول ما لم تحصل على ضمانات موثوقة ودائمة للأمن البحري، وهو ما قد يتطلب جهودًا دبلوماسية تتجاوز مجرد الحلول العسكرية.

في ظل هذه المعطيات، تبرز أسئلة مهمة حول مدى قدرة المجتمع الدولي على تأمين طرق التجارة العالمية دون اللجوء إلى حلول عسكرية طويلة الأمد، وما إذا كانت مصالح شركات الشحن ستظل متماشية مع الأجندة السياسية للقوى الكبرى في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى