Podcast Icon
سياسة

كيف تعيد روسيا صياغة نفوذها في سوريا؟

مع اقتراب سقوط نظام بشار الأسد، شهدت موسكو تحوّلاً في موقفها، حيث وصفت المقاتلين السوريين المتقدمين نحو دمشق بأنهم “إرهابيون”، لكنها في الوقت نفسه رأت في التغيير فرصة لتعزيز وجودها الاقتصادي والعسكري في سوريا.

تقارب مفاجئ بين موسكو والنظام الجديد
وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن التقارب بين روسيا والحكومة السورية الجديدة جاء بشكل غير متوقع. فبعد أن لعب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دورًا محوريًا في حماية الأسد خلال عقد من الحرب الأهلية، أصبح رحيل الأخير عن السلطة واقعًا. فرّ الأسد إلى موسكو، بينما وجدت روسيا نفسها أمام فرصة لإعادة صياغة نفوذها في سوريا، خاصة في ظل تردد حلفاء واشنطن في تمويل الحكومة الجديدة.

استغلت موسكو هذا الفراغ، حيث قامت الشهر الماضي بتحويل ما يعادل 23 مليون دولار بالعملة السورية إلى البنك المركزي في دمشق، وفقًا لمسؤولين سوريين وأوروبيين. وأوضحت المصادر أن روسيا طبعت الأوراق النقدية لدعم الاقتصاد السوري، بعدما امتنعت دول أخرى عن ذلك خوفًا من العقوبات الغربية.

روسيا بلا قيود.. ومخاوف الغرب
بحسب آنا بورشفسكايا، الزميلة في معهد واشنطن، فإن ميزة روسيا في تعاملها مع النظام السوري الجديد تكمن في أنها لا تخضع لقيود أخلاقية كما تفعل الدول الغربية، ويمكنها اتخاذ قرارات حاسمة بسرعة. وأضافت: “السؤال الرئيسي الآن هو كيف سيضع الغرب استراتيجيته للتعامل مع سوريا لتقليل اعتمادها على روسيا”.

المفاوضات.. نفوذ عسكري واقتصادي
شملت المفاوضات بين موسكو والنظام السوري الجديد ملفات عديدة، من بينها:
استثمارات بمليارات الدولارات في حقول الغاز والموانئ.
مناقشات حول تسليم الأسد، وهو أمر رفضت موسكو التطرق إليه، وفقًا لمسؤولين أوروبيين وسوريين.
اعتذار محتمل من روسيا عن قصف المدنيين في سوريا.

وبحسب تقارير، فإن الجائزة الكبرى التي تسعى روسيا للحفاظ عليها هي قواعدها العسكرية، خاصة قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية، واللتين تمنحان موسكو حضورًا استراتيجيًا في البحر المتوسط وأفريقيا.

واشنطن غائبة.. وموسكو تستغل الفرصة
في المقابل، لم تحدد إدارة ترامب أي خطة واضحة للتعامل مع النظام الجديد في سوريا، مما يتيح لموسكو مساحة أكبر لتعزيز نفوذها. ووفقًا للدبلوماسي الأمريكي السابق ديفيد شينكر: “غياب المشاركة الأمريكية يجعل من الصعب معارضة التمدد الروسي”.

بوغدانوف ولافرينتييف.. بداية المفاوضات
بدأت المفاوضات الجادة مع وصول ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، وألكسندر لافرينتييف، المبعوث الروسي إلى سوريا، في يناير. كانت المهمة الأولى هي ضمان مستقبل القواعد الروسية، لكنها سرعان ما توسعت إلى ملفات اقتصادية أوسع، شملت إعادة إحياء المشاريع الروسية في سوريا، مثل استثمارات النفط والغاز.

استعادة الأموال المنهوبة.. مطلب سوري
حرصت الحكومة السورية الجديدة على تأطير المحادثات مع روسيا كجزء من محاولة لتعويض الدمار الذي تسببت به موسكو خلال دعمها لنظام الأسد. ووفقًا لمصادر مطلعة، فإن دمشق طلبت استعادة الأموال التي نقلها النظام السابق إلى روسيا، والتي تشمل:
250 مليون دولار أرسلها البنك المركزي السوري إلى بنك حكومي في موسكو بين عامي 2018 و2019.
استثمارات في عقارات فاخرة بأكثر من 40 مليون دولار لأفراد من عائلة الأسد، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة غلوبال ويتنس لمكافحة الفساد.
بعد أول مكالمة هاتفية بين بوتين ورئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع، دعت موسكو وزير الخارجية السوري إلى زيارتها، معلنةً استعدادها لمناقشة شروط الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، وهو مطلب رئيسي للنظام السوري الجديد.

روسيا تعيد ترتيب أوراقها في سوريا
مع تغير موازين القوى في سوريا، يبدو أن روسيا تسعى لإعادة تشكيل علاقتها بالنظام الجديد، ليس فقط للحفاظ على مكاسبها العسكرية، بل لضمان نفوذ اقتصادي طويل الأمد. وبينما لا تزال المفاوضات جارية، يبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن موسكو من فرض شروطها كما فعلت مع الأسد، أم أن النظام الجديد سيحاول تقليل اعتماده على الكرملين؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى