فوضى الاستراتيجيات: كيف قد تعيد واشنطن نفوذ موسكو إلى سوريا؟

في خضم الصراع السوري، دعمت الولايات المتحدة “هيئة تحرير الشام” في محاولة لإضعاف نظام بشار الأسد، المدعوم من إيران وروسيا، بهدف تقليص النفوذ الروسي في المنطقة، لا سيما في قاعدتي طرطوس واللاذقية. إلا أن هذه الخطوة، التي بدت حينها مكسباً استراتيجياً، قد تحمل تداعيات خطيرة على المدى الطويل، وفقاً لما أشار إليه براندون جيه ويخرت، المحرر المختص بالأمن القومي في مجلة ناشيونال إنترست.
المستفيدون من سقوط الأسد
كانت تركيا من أبرز الفاعلين في هذه العملية، حيث سعت لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
القضاء على الحركات القومية الكردية التي تراها تهديداً لأمنها.
استعادة النفوذ العثماني في المنطقة.
السيطرة على مسارات الطاقة نحو أوروبا.
ولتحقيق هذه الأهداف، أيّدت أنقرة الحركات الإسلاموية في أماكن عدة.
أما إسرائيل، فقد استفادت في البداية من انهيار نظام الأسد، إذ أدى ذلك إلى:
إضعاف القدرات العسكرية السورية، مما مكّن إسرائيل من ضرب القواعد العسكرية بسهولة.
تقليص نفوذ إيران في سوريا وقطع خطوط الإمداد إلى “حزب الله”.
استخدام المجال الجوي السوري لضرب أهداف إيرانية بعيدة المدى، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي S-300 الروسية في إيران.
لكن مع مرور الوقت، تغيرت المعادلة الاستراتيجية بشكل معقد.
انهيار التحالف الإسرائيلي التركي
قبل سقوط الأسد، شهدت العلاقات بين إسرائيل وتركيا نوعاً من التنسيق غير الرسمي، لكن صعود “هيئة تحرير الشام” بدعم تركي غيّر المشهد، ما أثار مخاوف إسرائيل من إمكانية اندلاع مواجهة مباشرة مع أنقرة.
وتصاعدت التوترات بشكل أكبر بعد هجوم إسرائيل على غزة في أعقاب أحداث 7 أكتوبر 2023، حيث زادت تركيا من خطابها العدائي تجاه تل أبيب. ومع سيطرة النظام الجديد في سوريا المدعومة من أنقرة، باتت إسرائيل قلقة من احتمال تدخل عسكري تركي لصالح الفلسطينيين.
في ظل هذه التعقيدات، تواجه إسرائيل تحدياً كبيراً في الحفاظ على حرية الحركة داخل المجال الجوي السوري، وهو أمر بالغ الأهمية لاستراتيجيتها ضد إيران، لكنها باتت تصطدم بواقع جديد فرضته التطورات الأخيرة.
الخطة الإسرائيلية الجديدة: إعادة روسيا إلى سوريا؟
لمواجهة هذا الوضع المتغير، تسعى إسرائيل الآن إلى إعادة روسيا إلى سوريا كوسيلة لاستعادة التوازن الإقليمي.
ووفقاً لتقارير عدة، يستعد القادة الإسرائيليون للتوجه إلى واشنطن بهدف إقناع الإدارة الأمريكية بالسماح بعودة القوات الروسية إلى قواعدها السابقة في طرطوس واللاذقية، وهو ما قد يُعيد موسكو إلى الساحة السورية بقوة.
إذا تحقق ذلك، فستكون واشنطن في موقف متناقض؛ إذ إنها دعمت المعارضة السورية في الأصل بهدف طرد روسيا، لكنها قد تضطر الآن لإعادة موسكو، مما قد يقوض أحد أهم إنجازاتها الاستراتيجية في سوريا.
سياسة أمريكية مرتبكة
يرى ويخرت أن السياسة الأمريكية في سوريا كانت دوماً متخبطة، حتى قبل سقوط الأسد، وأن التراجع عن هدف إخراج روسيا سيعني تدمير المكاسب القليلة التي حققتها واشنطن في الأزمة السورية.
وبينما تستمر التعقيدات الإقليمية، يبقى السؤال: هل ستتراجع الولايات المتحدة عن موقفها السابق، أم أنها ستبحث عن استراتيجية بديلة تحفظ مصالحها دون إعادة روسيا إلى قلب المعادلة السورية؟