عقيدة السحق التام: إسرائيل تُعيد تشكيل استراتيجيتها العسكرية في لبنان

تحول جذري في العقيدة الأمنية: من الردع إلى الهجوم الشامل
كشف يونا جيريمي بوب، المراسل والمحلل العسكري في صحيفة “جيروزاليم بوست”، عن تحول كبير في الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه لبنان، إذ تبنّى الجيش الإسرائيلي “عقيدة السحق التام” كبديل لسياسة الردع التقليدية التي اتبعها لعقود في مواجهة حزب الله.
وفقاً للتقرير، لم يعد الهدف الإسرائيلي مجرد احتواء تهديد الحزب، بل القضاء التدريجي على قدراته العسكرية وقياداته، بما يشمل ضرب بنيته التحتية ومصادر تسلحه، حتى لو لم يكن الطرف المباشر في أي هجوم.
هجوم عطلة نهاية الأسبوع: نقطة تحول في قواعد الاشتباك
الهجوم الأخير، الذي وقع خلال عطلة نهاية الأسبوع، شكّل انعكاساً عملياً لهذا التغيير. ورغم أن المجموعة التي أطلقت 6 صواريخ نحو مدينة المطلة يُعتقد أنها فلسطينية وليست تابعة لـ”حزب الله”، إلا أن إسرائيل ردت بغارات جوية استهدفت مواقع الحزب في أنحاء مختلفة من لبنان.
ويشير التقرير إلى أن هذا التحول لم يكن ليحدث قبل 7 أكتوبر، حيث كانت إسرائيل تكتفي بتحميل حزب الله مسؤولية ضبط الفصائل، دون رد عسكري مباشر. أما الآن، فقد أصبح الرد عنيفاً وفورياً، بغض النظر عن هوية المنفّذ، ما يرسّخ مبدأ أن أي هجوم على إسرائيل، حتى لو لم يحقق أهدافه، ستقابله ضربات موجعة ومدمرة.
تصعيد مستمر: ضربات متتالية تستهدف قيادة الحزب
وفق الصحيفة، لم تتوقف إسرائيل عند ضرب مصادر النيران فقط، بل وضعت استراتيجية “إضعاف مستمر” تهدف إلى استنزاف الحزب بشكل كامل.
التقارير تشير إلى أن إسرائيل تدّعي مقتل حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، إلى جانب 3851 مقاتلاً، وإصابة 9000 آخرين منذ بداية الحرب. كما قُتل أكثر من 100 مقاتل آخر بعد وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر.
وخلال الأشهر الأخيرة، نفذ الجيش الإسرائيلي 120 هجوماً على مواقع الحزب، شملت:
استهداف قيادات بارزة في بعلبك، على بعد 100 كيلومتر داخل لبنان.
ضرب قوافل تهريب الأسلحة المدعومة من إيران.
منع وصول إمدادات جوية وبحرية للحزب.
انسحاب متأرجح.. وبقاء عسكري دائم
رغم إعلان إسرائيل نيتها الانسحاب من جنوب لبنان بحلول 26 يناير، تأجلت العملية مرتين ولم تكتمل إلا في 18 فبراير. لكن الصحيفة تكشف أن تل أبيب أبقت مئات الجنود في 5 مواقع عسكرية حدودية، ما يعكس إصراراً على البقاء التكتيكي في لبنان، كرسالة مفادها أن المواجهة لم تنتهِ بعد.
“التحدي المباشر”: عقيدة إسرائيل الجديدة لضرب الحزب
تتبنى إسرائيل اليوم ما وصفته الصحيفة بـ”سياسة التحدي المباشر”. وفق العقيدة الجديدة، فإن أي رد من “حزب الله” سيقابله:
استهداف بيروت مجدداً.
ضرب خليفة نصر الله.
تقويض الحزب اقتصادياً وعسكرياً.
ويرى التقرير أن الحزب يتلقى الضربات دون رد، إدراكاً منه بأن التصعيد لن يكون في صالحه، خصوصاً أن إسرائيل لم تعد تعتمد سياسة “الرد المدروس”، بل باتت تتحرك استباقياً لضرب بنية الحزب التحتية ومنعه من استعادة قوته.
هل حزب الله في مأزق؟
بعد 4 أشهر من وقف إطلاق النار، شهدت الساحة اللبنانية قصف عشرات الأهداف، بينما لم يخرج حزب الله بأي بيان يعلن فيه مسؤوليته أو يهدد بالرد.
المحلل العسكري بوب يفسر ذلك بأن الحزب يعيش حالة “ترقب وحذر”، منتظراً ما ستؤول إليه الأوضاع، فيما تستمر إسرائيل في توجيه ضرباتها وكأنها تختبر قدرة الحزب على التحمل.
ويطرح التقرير تساؤلاً كبيراً: هل يمكن لإسرائيل تحقيق أهدافها دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة؟
في ظل العقيدة الجديدة، يبدو أن تل أبيب تراهن على إضعاف حزب الله تدريجياً دون الحاجة لمعركة واسعة، فيما يبقى الحزب أمام خيارين أحلاهما مر: السكوت تحت الضربات، أو الرد مع تحمّل عواقب قد تعيد بيروت إلى قلب المواجهة.
حرب من نوع جديد.. واستراتيجية بلا خطوط حمراء
تكشف العقيدة الإسرائيلية الجديدة عن مرحلة غير مسبوقة من التصعيد: لم يعد الردع كافياً، بل بات “السحق التام” هدفاً معلناً.
إسرائيل ترسل رسائل واضحة مفادها أن أي هجوم سيُقابل برد مزلزل، بغض النظر عن هوية منفذيه. وفي المقابل، يجد حزب الله نفسه عالقاً بين رغبة في الرد وحسابات داخلية وإقليمية تمنعه من التصعيد.
فهل يتمكن الحزب من امتصاص الضربات إلى حين تغيّر المعادلة؟ أم أن إسرائيل ستنجح في إعادة تشكيل موازين القوى جنوب لبنان دون أن تُشعل حرباً مفتوحة؟