سوريا على أعتاب مرحلة جديدة: قرارات الشرع الجريئة بين الآمال والتحديات

مع تولي أحمد الشرع رئاسة المرحلة الانتقالية في سوريا، بدأت البلاد تشهد تحولات جوهرية تهدف إلى إعادة هيكلة الدولة، وترسيخ الاستقرار بعد سنوات من الصراع. شملت هذه التحولات إلغاء دستور 2012، وحل مجلس الشعب، وإعادة بناء الجيش على أسس وطنية، إلى جانب تفكيك الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق. ورغم ترحيب البعض بهذه الخطوات، إلا أنها تثير العديد من التساؤلات حول مدى قدرتها على تحقيق استقرار دائم في سوريا.
قرارات حاسمة وتأثيرها على المشهد السياسي
يرى محمد صبرا، كبير مفاوضي وفد المعارضة في محادثات جنيف سابقًا، في حديثه مع سكاي نيوز عربية، أن هذه القرارات “إيجابية وتمثل خطوات ضرورية نحو بناء دولة مستقرة”، لكنه يحذر من مخاطر بقاء الفصائل المسلحة في المشهد السياسي. ويضيف: “التجارب العربية السابقة، مثل ليبيا واليمن والعراق، أظهرت أن وجود السلاح خارج سلطة الدولة يعطل العملية السياسية. في سوريا، لا تزال هناك نحو 65 فصيلاً مسلحًا يحتفظ بأسلحة ثقيلة، مما يجعل أي خلاف سياسي مرشحًا للتحول إلى مواجهات ميدانية”.
كما شدد صبرا على ضرورة تشكيل حكومة موسعة تضم شخصيات تكنوقراطية وأطيافًا سياسية متنوعة، إلى جانب عقد مؤتمر حوار وطني لوضع أسس دستور جديد يلبي تطلعات جميع السوريين.
مخاوف وتحديات المرحلة الانتقالية
من جانبه، يرى فراس النائب، رئيس مركز استراتيجي للدراسات، أن نجاح المرحلة الانتقالية يعتمد على قدرتها على تحقيق تطلعات الشعب السوري، موضحًا أن هناك انقسامًا في الشارع السوري بين مؤيد لهذه التغييرات ومتحفظ عليها.
قائلا، “الشعب السوري لا يريد فقط تغييرات شكلية في السلطة، بل يتطلع إلى دولة تحترم الدستور والقانون وتضمن حقوق الإنسان. إن عدم وجود رؤية واضحة لإدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية قد يزيد من حالة القلق وعدم الاستقرار”.
ويشير النائب إلى أن سوريا تواجه ثلاثة تحديات رئيسية:
الانفلات الأمني: حيث لا تزال بعض الفصائل المسلحة ترفض الاندماج في المؤسسات الجديدة.
الأزمة الاقتصادية: التي تفاقمت بسبب الحرب، وتحتاج إلى إصلاحات عاجلة.
خطر التقسيم: بسبب التوترات الإقليمية والتدخلات الخارجية.
ويرى النائب أن الحل يكمن في وضع إطار قانوني يمنع تكرار سيناريوهات الفوضى التي شهدتها دول أخرى، مع ضرورة توسيع قاعدة المشاركة السياسية لضمان عدم تركز السلطة بيد جهة واحدة.
الشرعية السياسية والتفاعل مع القوى المحلية
أما الكاتب والباحث السياسي مؤيد غزلان قبلاوي، فيرى أن إعلان الشرع عن توافق سياسي أثار تفاؤلًا حذرًا داخل سوريا، حيث عبرت معظم المكونات السياسية عن دعمها للخطوات الانتقالية.
ويوضح أن غالبية الفصائل السورية وافقت على تسليم سلاحها والاندماج في وزارة الدفاع، باستثناء بعض الفصائل في شمال شرق سوريا، التي لا تزال تطالب بضمانات أممية قبل المشاركة في العملية السياسية.
ويشير قبلاوي إلى أن “المرحلة الانتقالية قد تستغرق من ثلاث إلى أربع سنوات، وهو أمر طبيعي مقارنةً بتجارب دول أخرى مثل تونس وإسبانيا. لكن نجاحها يعتمد على إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لضمان فعاليتها، خاصة أن المؤسسات الحكومية السورية كانت تعاني من الفساد وعدم الكفاءة”.
التحديات الإقليمية والدولية وتأثيرها على المرحلة الانتقالية
من منظور إقليمي، يرى حسن المومني، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية، أن الاستقرار في سوريا لا يزال هشًا، وأن نجاح العملية الانتقالية يعتمد على مدى التفاهمات الدولية والإقليمية حول مستقبل البلاد.
ويقول، “يجب أن ننظر إلى المشهد السوري بواقعية. الوضع في سوريا مختلف عن العراق واليمن، لأن هناك غموضًا حول التوافق الإقليمي بشأن مستقبل البلاد. لذا، فإن أي نجاح للمرحلة الانتقالية يعتمد على دعم دولي وإقليمي حقيقي”.
وأضاف المومني أن الشرع يسعى لاكتساب الشرعية السياسية، لكن هذا سيتطلب وقتًا، مشددًا على ضرورة وجود دعم دولي لتثبيت الاستقرار. كما حذر من خطورة سيطرة جماعات مسلحة على الحكم دون تحقيق عملية سياسية شاملة، مما قد يؤدي إلى استمرار الفوضى بدلاً من تحقيق الاستقرار المنشود.
المرحلة الانتقالية: بين التفاؤل والمخاوف
رغم الخطوات التي اتخذها أحمد الشرع لإعادة بناء مؤسسات الدولة، إلا أن التحديات لا تزال كبيرة، خصوصًا فيما يتعلق بإدارة الفصائل المسلحة، وتحقيق الأمن، وصياغة دستور جديد يحظى بإجماع وطني.
في ظل هذه التعقيدات، يبقى نجاح المرحلة الانتقالية مرهونًا بقدرة القيادة الجديدة على تقديم رؤية واضحة تعتمد على الحوار الوطني والتوافق السياسي، بما يضمن مستقبلًا مستقرًا لسوريا.