Podcast Icon
سياسة

سوريا أمام مفترق طرق.. هل تنجح المرحلة الانتقالية أم تعيد إنتاج الأزمة؟

في ظل مشهد سياسي معقد وصراع قوى داخلية وخارجية، جاء إعلان أحمد الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية في سوريا ليطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل البلاد. فهل يستطيع قيادة مرحلة انتقالية ناجحة تحقق الاستقرار وإعادة بناء الدولة؟ أم أن التحديات السياسية والعسكرية ستُعيد إنتاج الأزمة بصيغة جديدة؟

معادلة السلطة.. توافق سياسي أم انتصار عسكري؟
يؤكد الباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، سمير التقي، خلال حديثه لـ”سكاي نيوز عربية”، أن هذه الخطوة كانت متوقعة، لكنها تأتي في سياق صراع نفوذ بين الفصائل العسكرية التي أسهمت في إسقاط النظام السابق. ويضيف أن المؤتمر الذي أُعلن فيه عن المرحلة الانتقالية لم يكن سوى محاولة لتطويع الخلافات بين هذه الفصائل، إلا أنه في الوقت نفسه يثير أسئلة حساسة حول مستقبل إدارة الجيش وعقيدته القتالية في ظل التشظي الكبير في الولاءات.

ويحذر التقي من أن الشرع لم يرث مجرد منصب سياسي، بل معادلة شديدة التعقيد، حيث لم يعد الأمر متعلقًا بتغيير شخصية الحاكم فحسب، بل يتعلق بإعادة بناء دولة من الصفر، وهو ما يتطلب توافقًا وطنيًا يتجاوز الاجتماعات البروتوكولية. “لم يعد هناك مجال للكلام فقط، الآن ينتظر المواطن السوري أفعالًا ملموسة”، على حد تعبيره.

الشرعية الداخلية في مواجهة التوازنات الخارجية
على صعيد الشرعية، يطرح الباحث في مركز الإمارات للسياسات، محمد الزغول، إشكالية جوهرية تتعلق بمصدر الشرعية السياسية للحكومة الانتقالية. إذ يرى أن القيادة الجديدة تبدو منشغلة بكسب الاعتراف الدولي أكثر من تركيزها على بناء شرعية داخلية تستند إلى الشارع السوري.

ويحذر الزغول من أن هذا النهج قد يعمّق الأزمة بدلًا من حلها، قائلًا: “ما نراه اليوم هو إدارة سياسية تسعى للحصول على دعم الاتحاد الأوروبي والدول العربية والولايات المتحدة، لكنها لم تبادر إلى فتح حوار حقيقي مع الشعب السوري”.

من جانبه، يشدد الكاتب والباحث السياسي، منيف عماش الحربي، على أن المجتمع الدولي ينظر إلى هذا التطور باعتباره ضرورة سياسية لسد الفراغ في سوريا. لكنه يتساءل عما إذا كان الدعم الإقليمي والدولي كافيًا لإنجاح التجربة الانتقالية إذا لم تحظَ بقبول السوريين أنفسهم، مشيرًا إلى أن الاجتماع الذي عقد في الرياض يوم 11 يناير الماضي كان خطوة هامة، لكنه لم يقدم حلولًا ملموسة لأبرز التحديات.

المأزق العسكري والسياسي.. من يحكم المرحلة الانتقالية؟
على المستوى الداخلي، يبرز تحدٍّ أساسي يتمثل في هيمنة الفصائل المسلحة على المشهد الانتقالي، ما يثير مخاوف من تكرار نموذج الميليشيات الحاكمة كما حدث في ليبيا والسودان.

وفي هذا السياق، يشير الكاتب والباحث السياسي، عرابي عبد الحي، إلى وجود انقسام واضح بين الجناحين العسكري والسياسي في الحكومة الجديدة، حيث يبدو أن الأولوية مُنحت للعسكر على حساب القوى المدنية، وهو ما قد يعرقل بناء مؤسسات مدنية مستقرة.

ويضيف عبد الحي أن أحد أبرز التحديات يتمثل في إجراء إحصاء دقيق للمواليد السوريين الذين غادروا البلاد، وتحديد عدد المؤهلين للمشاركة في أي استحقاق انتخابي مستقبلي. ويقول: “نتحدث عن 4 إلى 5 ملايين شخص خارج سوريا، مما يعني أننا أمام عملية قد تستغرق سنوات قبل أن نضمن انتخابات حرة ونزيهة”.

المعضلة الدستورية.. هل هناك إطار قانوني للمرحلة؟
يرى الخبراء أن الحكومة الانتقالية تواجه أزمة قانونية تتمثل في غياب إطار دستوري واضح يحكم المرحلة، مما يفتح المجال أمام استقطابات سياسية خطيرة.

يؤكد سمير التقي أن صياغة دستور جديد ليست مجرد خطوة إجرائية، بل معركة سياسية بامتياز، مشيرًا إلى أن التجربة العراقية أثبتت أن “من يكتب الدستور، يحدد مصير الدولة”.

من جهته، يحذر عرابي عبد الحي من التسرع في وضع دستور جديد دون حوار وطني شامل، مؤكدًا ضرورة تشكيل هيئة تأسيسية للحوار الوطني بدلًا من التصويت السريع على دستور قد لا يعكس التوافقات الوطنية، مما قد يؤدي إلى استقطابات سياسية حادة كما حدث في العراق.

الملف الكردي.. قنبلة موقوتة في مسار الانتقال
يعد الملف الكردي من أكثر القضايا تعقيدًا في المرحلة الانتقالية، حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على مناطق استراتيجية شرق الفرات، وهو ما يجعل أي عملية انتقالية رهينة التوازنات الإقليمية.

يؤكد محمد الزغول أن الحكومة السورية لا تملك قرارًا مستقلًا فيما يتعلق بالتعامل مع قوات قسد، وذلك بسبب الضغوط المتزايدة من تركيا والولايات المتحدة.

ويقول الزغول: “هناك إرادة دولية تمنع القيادة السورية من اتخاذ قرارات حاسمة، سواء بالتصعيد العسكري ضد قسد أو بالتوصل إلى تسوية سياسية معها”. ويضيف أن هذا التعقيد يجعل أي حل سياسي غير ممكن دون توافق إقليمي ودولي.

استشراف المستقبل.. بين الفرص والمخاطر
في ظل هذه التحديات، تبدو سوريا أمام مفترق طرق حاسم. فبينما يرى البعض أن المرحلة الانتقالية تمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة، يحذر آخرون من أن استمرار الصراعات السياسية والعسكرية قد يؤدي إلى إطالة أمد الأزمة.

يُلخص سمير التقي الموقف بقوله: “إذا استمرت الحكومة الانتقالية في التركيز على الشرعية الخارجية بدلًا من تحقيق توافق داخلي، فإننا قد نكون أمام مرحلة جديدة من الفوضى”.

في المقابل، يرى الحربي أن نجاح التجربة الانتقالية يعتمد على قدرتها على بناء مؤسسات حقيقية، مشددًا على أن أي محاولة لفرض الحلول بالقوة قد تؤدي إلى تكرار سيناريوهات الفشل التي شهدناها في دول أخرى.

هل تكون سوريا الاستثناء؟
يبقى السؤال الأهم، هل تستطيع سوريا كسر النمط السائد في تجارب الانتقال السياسي بالمنطقة؟ أم أنها ستنضم إلى قائمة الدول التي غرقت في الفوضى والصراعات الداخلية بسبب غياب رؤية سياسية واضحة؟

الإجابة ستتضح في الأشهر القادمة، حيث ستحدد التطورات القادمة مدى قدرة القيادة الجديدة على تجاوز الانقسامات وبناء مستقبل يليق بتضحيات الشعب السوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى