خطة “الاستيلاء” على غزة: اقتراح مثير للجدل يهدد استقرار المنطقة

شهد الأسبوعان الأولان من ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في البيت الأبيض الكثير من اللحظات المثيرة للجدل، لكن اقتراحه في 4 فبراير بشأن “الاستيلاء” على غزة كان الأكثر استثنائية وإثارة للقلق.
ووفقًا لمجلة “إيكونوميست” البريطانية، فقد جمع ترامب في اقتراحه بين أفكار خطيرة مثل التطهير العرقي واللامبالاة بحقوق الفلسطينيين، إلى جانب أسلوبه الارتجالي المعتاد في معالجة القضايا المعقدة. وجاء هذا الاقتراح في أعقاب نجاح ترامب في تحقيق وقف إطلاق النار المؤقت في غزة، وهو ما فشلت فيه إدارة جو بايدن لفترة طويلة. لكن تدخله الأخير قد يزعزع استقرار المنطقة بدلاً من تحقيق السلام، إذ يخشى أن يؤدي إلى تصعيد العنف وتعزيز مواقف المتشددين.
ضغط على نتانياهو وخطة غير متوقعة
بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في البيت الأبيض، كان من المتوقع أن يمارس ترامب ضغوطًا على الأخير لدفعه إلى تنفيذ المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، والتي تشمل إعادة جميع الرهائن، ووقف القتال، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.
لكن بدلاً من ذلك، فاجأ ترامب الجميع باقتراح مثير للجدل يقضي بإجبار مليوني فلسطيني في غزة على مغادرة القطاع إلى دول مجاورة مثل الأردن أو مصر، أو إلى أي مكان آخر. وألمح إلى احتمال مشاركة القوات الأمريكية في تنفيذ هذا المخطط. وأوضح أن الهدف هو إعادة بناء غزة بعد عمليات التهجير، وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، على أن يُسمح لبعض الفلسطينيين بالعودة لاحقًا، لكن فقط بعد أن يتم “إعادة تشكيل” القطاع وفقًا لرؤيته.
بعبارة أخرى، رأى ترامب أن الفلسطينيين يمكنهم الحصول على الرفاهية الاقتصادية فقط إذا تخلوا عن مطالبهم التاريخية بالسيادة والحقوق الوطنية.
عيوب جوهرية في خطة ترامب
ترى مجلة “إيكونوميست” أن خطة ترامب تعاني من عيوب أخلاقية وسياسية فادحة، إذ تدعو إلى غزو غزة وفرض تطهير عرقي دون مراعاة حقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. كما أن الاقتراح يعزز فكرة أن القوة العسكرية تمنح الشرعية لأي مخطط سياسي.
من الناحية العملية، تبدو الفكرة غير قابلة للتنفيذ، حيث إن الشعب الأمريكي لا يريد تورطًا عسكريًا جديدًا في الشرق الأوسط، كما أن سجل الولايات المتحدة في “بناء الأمم” هناك لم يكن ناجحًا. علاوة على ذلك، فإن الدول العربية التي يُطلب منها استضافة النازحين الفلسطينيين ستجد صعوبة بالغة في التعامل مع تدفق أعداد هائلة من اللاجئين.
وربما أدرك ترامب ومستشاروه هذا سريعًا، إذ بدأوا في التراجع عن بعض جوانب خطته في اليوم التالي للإعلان عنها، حيث أكدوا أن استخدام القوات الأمريكية لم يعد مطروحًا، وأن التهجير سيكون “مؤقتًا”.
“حفرة جهنم” ومشكلة غزة المستمرة
ورغم الانتقادات الواسعة، فإن ترامب لم يكن مخطئًا تمامًا في وصفه للوضع في غزة بأنه “حفرة جهنم”. فالحرب دمرت القطاع بالكامل، وحماس تسيطر على الوضع هناك، في حين أن السلطة الفلسطينية عاجزة عن فرض أي نفوذ، والمجتمع الدولي يتحدث باستمرار عن حل الدولتين دون إحراز أي تقدم فعلي.
ترى المجلة أن هناك حاجة ماسة إلى حلول مبتكرة لإنقاذ غزة من وضعها الكارثي، بعيدًا عن إعادة إنتاج السياسات القديمة التي لم تفلح سوى في تأبيد الأزمة. فالاعتماد على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، مع الإبقاء على الوضع الراهن، لم يؤدِ سوى إلى ترسيخ اليأس في أوساط الفلسطينيين، وهو ما سمح لحماس بالاستمرار في السلطة.
هل هناك طريق إلى السلام؟
الطريق الوحيد للخروج من الأزمة، بحسب تحليل “إيكونوميست”، هو تغيير جذري في القيادة أو إزاحة حماس عن الحكم، وتشكيل قوة أمنية عربية – فلسطينية لإدارة غزة، بالتوازي مع فتح قنوات جديدة للحوار الإقليمي حول حل الدولتين.
لكن المشكلة تكمن في أن طرح ترامب غير المدروس قد قوّض مصداقية الولايات المتحدة كلاعب دبلوماسي محايد. فبدلاً من تقديم خطة واقعية للسلام، أثار الاقتراح مخاوف عميقة وعزز الخطاب المتطرف. باتت حماس اليوم تزعم أن أمريكا لا تكترث بسكان غزة، بينما وجد اليمين الإسرائيلي المتشدد مبررًا إضافيًا للحديث عن طرد الفلسطينيين من القطاع بالكامل.
مبادرة غير محسوبة العواقب
رغم أن الشرق الأوسط بحاجة فعلية إلى تفكير جديد لحل الأزمات المستعصية، إلا أن نهج ترامب القائم على الطرح العشوائي للأفكار المثيرة دون دراسة مسبقة قد يؤدي إلى نتائج عكسية. وبدلًا من تحقيق الاستقرار، فإن خطته قد تخلق المزيد من الفوضى، مما يمنح المتشددين في كلا الطرفين فرصة لاستغلال الوضع، ويجعل السلام أكثر بعدًا من أي وقت مضى.